للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "والأصل في الشرك أن يوجه العبد أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، أو يعتقد أن لغير الله أثراً فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة، أو أنّ لشيء من الأشياء سلطانًا على ما خرج عن قدرة المخلوقين.

ومن أنواعه أن يتخذ من دون الله أندادًا يحبهم كحب الله، وينسب إليهم من التدبير والتصريف ما لا يقدر عليه إلا الله، وأن يلتمس منهم جلب الخير وكشف الضر، ويقف بين أيديهم خاشعًا خاضعًا ذليلاً ضارعًا كما هو مشاهد من ذوي العقائد الزائغة" (١).

وقال أيضًا: "أما الاستغاثة بالأموات وبالغائبين فمما لم يسوغه الشرع، ومما لم يأت عليه دليل لا من كتاب ولا من سنة، ويجب أن نستغيث عند الاضطرار ونلجأ عند الحاجة إلى من يسمع ويرى، ومن هو أقرب إلينا من حبل الوريد، وإلى من بيده ملكوت كل شيء، هذا هو الحق، وذلك هو الصواب.

كيف وقد نُهينا شرعًا عن دعاء غير الله، وعن الالتجاء إلى سواه، وعن الاعتصام بحبل غيره، في غير ما آية ...

وقولُ من يفعل ذلك مع أصحاب القبور: إننا نعتقد أنّ المؤثر هو الله، غير أننا نعتقد فيهم لقربهم من الله، فنفعل ذلك معم كوسطا، فقول هراء باطل، وغرور غرهم به الشيطان، وقولهم هذا مشابه لقول المشركين كما حكي في سورة الزمر: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى}، فدل قولهم هذا على أنهم لا يعتقدون فيهم الضر والنفع وغير ذلك، بل هم يعتقدون أن ذلك لله وحده، وإنما جعلوهم وسطاء فقط. أفيرضى المؤمن التشبه بقوم عصوا الله ورسوله!

فما داموا يعتقدون أن المؤثر هو الله وحد، وأن المدعوين من دونه لا يملكون نفعًا ولا ضرًا، فحري بهم أن يعدلوا عنهم إلى من يملك لهم ما أرادوا، وهو الله وحده لا غيره، فالله غني عن الوسطاء" (٢).

وقال أيضًا: "فالله فرض على عباده إفراده بالعبادة بقوله: {أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ اللّهَ}، وإخلاصها بقوله: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ}، وبقوله: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}.

ومن نادى الله ليلاً ونهارًا، سرًا وجهارًا، وخوفًا وطمعًا، ثم نادى معه غيره فقد أشرك في العبادة، فإن الدعاء من العبادة، وقد سماه الله عبادة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} بعد قوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} " (٣).


(١) المصدر السابق (ص: ١٤٢).
(٢) المصدر السابق (ص: ١٩٠ - ١٩١).
(٣) المصدر السابق (ص: ١٩٤).

<<  <   >  >>