للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضا: "اعلم أن حقيقة الشرك: تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق. أمّا الخالق فإن المشرك شبّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهيّة، وهي التفرّد بملك الضّر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علّق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، وسوّى بين التراب وربّ الأرباب، فأي فجور وذنب أعظم من هذا؟! " (١).

وقال أيضًا: "فمن اتخذ واسطةً بينه وبين الله تعالى فقد ظنّ به أقبح الظن، ومستحيل أن يشرعه لعباده، بل ذلك يمتنع في العقول والفطر ...

واعلم أن الخضوع والتأّله الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه، كما قرّرناه، لا سيما إذا كان المجعول له ذلك عبدًا للملك العظيم الرّحيم القريب المجيب، ومملوكا له" (٢).

وقال أيضاً: "والناس في هذا الباب - أعني: زيارة القبور - على ثلاثة أقسام:

قوم يزورون الموتى فيدعون لهم. وهذه هي الزّيارة الشرعيّة. وقوم يزورونهم يدعون بهم، فهؤلاء هم المشركون في الألوهيّة والمحبّة. وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم، وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد»، وهؤلاء هم المشركون في الربوبيّة. وقد حمى النبيّ صلى الله عليه وسلم جانب التّوحيد أعظم حماية، تحقيقًا لقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، حتى نهى عن الصّلاة في هذين الوقتين لكونه ذريعةً إلى التّشبيه بعبّاد الشّمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين، وسد الذّريعة بأن منع من الصّلاة بعد العصر والصّبح لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشّمس" (٣).

وقال أيضًا: "وبالله إنّ الفتنة بهذا المكان [أي: المكان الذي يزعم بعضهم بأنه قبر أبي تراب النخشبي]، والمكان الآخر من حارة برجوان الذي يعرف بجعفر الصادق لعظيمة، فإنهما صارا كالأنصاب التي كانت تتخذها مشركوا العرب، يلجأ إليهما سفهاء العامّة والنساء في أوقات الشدائد، ويُنزلون بهذين الموضعين كربهم وشدائدهم التي لا يُنزلها العبد إلا بالله ربه، ويسألون في هذين الموضعين ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وحده، من وفاء الدين من غير جهة معينة، وطلب الولد ونحو ذلك، ويحملون النذور من الزيت وغيره إليهما، ظنا أن ذلك ينجيهم من المكاره، ويجلب إليهم المنافع، ولعمري إن هي إلّا كرّة خاسرة، ولله الحمد على السلامة" (٤).


(١) المصدر السابق (ص: ٢٧).
(٢) المصدر السابق (ص: ٢٣ - ٣٣).
(٣) المصدر السابق (ص: ١٩ - ٢٠).
(٤) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (٣/ ٩٤) دار الكتب العلمية - بيروت.

<<  <   >  >>