للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ردٌّ على الذين يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا عنده زلفى، وعلى القائلين إن الصالحين الذين نذهب إلى قبورهم ونستجير بهم ونستغيث- وإن لم يكونوا مُلاكًا ولا ظُهراء ولا شركاء- فهم أصحاب رتب ومقامات عند الله فهم شفعاء، فقال: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}، فكيف لنا معرفة من أذن له؟ فإن نهاية ما ثبت من ذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء والملائكة والصالحين يوم القيامة بعد الإذن، وبعد أقوال الأنبياء: نفسي نفسي ما عدا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت أنهم يشفعون في كلٍ مهم، بل الخلاف واقع في سماعهم النداء وعدمه, وأيضًا من أخبرنا بأنهم أحباب الله؟

على أنّ الاستشفاع ليس ممن تشافهه ويجيبك بأني أشفع لك، ومع ذلك لو قال: أشفع، لا ندري هل تقبل شفاعته أم لا؟ والدعاء مقبول قطعًا إما في الدنيا أو تعوض عنه في الآخرة.

على أنه من القواعد الشرعية أنّ من أطاع شيئًا أو عظّمه بغير أمر الله ذمَّه الله وغضب عليه كما سنقرره.

وأيضًا من التوحيد الذي يحتاج فيه إلى الرسل تخصيصه بالعبادة والدعاء قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}، {أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ}، {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ}، {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «ياغلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه الحافظ ابن كثير بأطول من ذلك.

فمن دعا غير الله مستعينًا به أو طالبًا منه كمن قال: يا شيخ فلان أغثني، على سبيل الاستمداد منه فقد دعا غير الله، وهذا الدعاء منع عنه الشارع؛ إذ لا يُستعان إلا بالله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

واعلم أن مَن أطاع مَن لم يأمر الله بطاعته أو من أمر بطاعته من وجه دون وجه فأطاعه مطلقًا، فإن الله سمَّى ذلك المطيع عابدًا لذلك المطاع ومتخذه ربًّا، قال الله تعالى: {أَن لَاّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ}، {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا}، {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}.

فإذن ليس لأحد أن يَعبد غير الله، ولا أن يدعوه، وليس العبادة إلا نهاية الخضوع، والدعاء مخ العبادة.

<<  <   >  >>