للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدين المسيحيون بآلهة ثلاثة, ولكنهم كأنهم يشعرون بغرابة هذا التعدد وبُعده عن العقل, فيجملون فيه يقولون: إنّ الثلاثة في حكم الواحد، أما المسلمون فيدينون بآلاف من الآلهة أكثرها جذوع أشجار وجثث أموات وقطع أحجار من حيث لا يشعرون

كثيرًا ما يُضمر الإنسان في نفسه أمرًا وهو لا يشعر به، وكثيرا ما تشتمل نفسه على عقيدة وهو لا يحس باشتمال نفسه عليها، ولا أرى مثلا لذلك أقرب من المسلمين الذين يلجؤون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكان القبور، ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود، فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب قالوا: إنا لا نعبدهم وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم لا يشعرون أنّ العبادة ما هم فيه، وأنّ أكبر مظهر من مظاهر الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين إليه يلتمسون إمداده ومعونته، فهم في الحقيقة عابدون لأولئك الأموات من حيث لا يشعرون" (١).

وقال أيضًا: "والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهنائها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وإنّ طلوع الشمس من مغربها وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله, ويقولون للأول كما يقول للثاني جل جلاله: "أنت المتصرف في الكائنات، وأنت سيد الأرضين والسموات".

إنّ الله أغير على نفسه من أن يُسعد أقوامًا يزدرونه ويحتقرونه ويتخذونه وراءهم ظهريًا، فإذا نزلت بهم جائحة أو ألمت بهم ملمة ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه ...

يا قادة الأمة ورؤساءها، عذرنا العامة في إشراكها وفساد عقائدها، وقلنا: إنًّ العامي أقصر نظرا وأضعف إدراكا من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب والتماثيل والأضرحة والقبور، فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله, وتقرؤون صفاته ونعوته, وتفهمون معنى قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ} وقوله مخاطبا نبيه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} , وقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}؟!

إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم: "كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف" فهل تعلمون أنّ السلف الصالح كانوا يجصِّصون قبرا أو يتوسلون بضريح؟!

وهل تعلمون أنّ أحدًا منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحد من الصحابة وآل بيته يسأله قضاء حاجة أو تفريج كربة؟!

وهل تعلمون أنّ الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين؟!


(١) النظرات (٢/ ١٧ - ١٨) دار الآفاق الجديدة.

<<  <   >  >>