للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هؤلاء وأمثالهم من الجم الغفير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم نقلة القرآن الكريم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعنهم نقل العدول الأخيار من التابعين الأبرار، وعنهم أتباع التابعين، وهكذا يتواتر النقل إلى قيام الساعة، بنقل العدل عن مثله، وقد سمع القرآن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة، وقرأ أبو هريرة - رضي الله عنه -: على أُبَي بن كعب - رضي الله عنه - وعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن على أُبَي، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أمرني جبريل أن أعرض عليك القرآن» وليعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما أمر أن يقرأ على أُبَي - رضي الله عنه - لا من أجل أن يتعلم من أُبَي، بل ليتعلم أُبَي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يستمع إلى قراءته، فيحذوا أُبي حذو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القراءة، قال أُبَي - رضي الله عنه -: "يقرأ عليَّ فأحذو ألفاظه" وقرأ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، على أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقرأ نافع بن أبي نعيم رحمه الله على عبد الرحمن بن هرمز الأعرج رحمه الله (١).

فالصحابة أخذوا القرآن إما درسا لبعضهم، أو سماعا لتلاواته - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة وغيرها، أو استمع - صلى الله عليه وسلم - لقراءة بعضهم وأقره عليها، بل أشاد بها كما تقدم سماعه لقراءة ابن مسعود، وقراءة أبي موسى الأشعري، وقراءة أُبَي وغيرهم - رضي الله عنهم -، وكان من حرص الصحابة على صحة السماع والنقل أن عمر - رضي الله عنه - وهشام بن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - اختلفا في سورة الفرقان فقرأها هذا على وجه، وهذا على وجه فقال - صلى الله عليه وسلم - «لكليهما: هكذا أنزلت» (٢)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» فالمراد به على سبع لغات في قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

ولهذا قال الشعبي: "الحروف واحدة لكن المختلف لغات (٣)، القوم، وإنما هو كقولك هلم وأقبل وتعال".

والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أولهم تلقيا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه، وتمسكوا بمذهبه، على ما روي عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة بن الزبير - رضي الله عنهم -،


(١) السبعة في القراءات ١/ ٤٩، ٥٥.
(٢) المنتقى من منهاج الاعتدال ١/ ٣٥٩.
(٣) جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات ١/ ٣٦.

<<  <   >  >>