للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الرابعة: هل يستثنى الحرمان من اتخاذ السترة أو لا؟

والجواب عن هذه المسألة: أن النصوص الواردة بالأمر في اتخاذ السترة لم تفرق بين مسجد وآخر، وعلى ذلك فالحرمان داخلان ولا يخرجان إلا بدليل، هذا من ناحية الإجمال، أما من ناحية التفصيل فيُقال: أولًا: عموم النصوص يشمل جميع المساجد دون استثناء.

ثانيًا: الأحاديث الآمرة باتخاذ السترة أو بعضها قالها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المدينة.

ثالثًا: عمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤيد اتخاذ السُترة حتى في الحرمين أما في الحرم المدني، فقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.

أما في الحرم المكي، فعن أبي جحيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ونصب بين يديه عنزة ... الحديث أخرجه البخاري وبوب عليه: باب السُترة بمكة.

وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- قال: "اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس". رواه البخاري.

- ومن المخالفات أيضًا: المرور بين يدي المصلي.

قال الإمام المنذري -رحمه الله تعالى- في كتابه "الترغيب والترهيب" ما نصه: الترهيب من المرور بين يدي المصلي. ثم ساق بعض الأحاديث التي فيها الوعيد لمن مر بين يدي المصلي وهي: عن أبي الجهيم -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه". قال أبو النضر -أحد رواة الحديث- لا أدري أقال: أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة.

وروى البخاري في صحيحه عن أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم الجمعة يُصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي مُعيط أن يجتاز بين يديه، فدفعه أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب، فلم يجد مساغًا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان".

وعن الحديث الأول: قال النووي: فيه دليل على تحريم المرور، فإن معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك.

قال ابن حجر: ومقتضى ذلك أن يعد في الكبائر.

وقال أيضًا: ظاهر الحديث يدل على منع المرور مطلقًا ولو لم يجد مسلكًا، بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته، ويؤيده قصة أبي سعيد.

وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: ظاهر الأحاديث يقتضي تحريم المرور بين يديه -أي المصلي- وأنه يشرع له رد المار، اللهم إلا أن يضطر المار إلى ذلك لعدم وجود متسع إلا ما بين يديه، ومتى بَعُدَ المار عما بين يدي المصلي إذا لم يلق بين يديه سترة سلم من الإثم لأنه إذا بعد عنه عُرفًا لا يسمى مارًا بين يديه كالذي يمر من وراء السترة. انتهى.

<<  <   >  >>