للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والانقطاع إلى العبادة والتأليف.

والذي يدلنا على تميز هذه الفترة من حياة السيوطي بالميل إلى العزلة والانقطاع أنه قد حاول العزلة التامة لبضعة أشهر قبل توليه مشيخة البيبرسية ترك فيها الاقراء والافتاء وقد اتهمه معاصره السخاوي بأنه بعد استقراره في البيبرسية «خمد من ثمّ بل جمد بحيث رام ستر نفسه بقوله: تركت الافتاء والاقراء وأقبلت على الله» «١».

وهناك ما يلقي الضوء على هذا التحول في حياة السيوطي بعد بلوغه الأربعين، ذلك أنه قد تعرض لأزمة بينه وبين السلطان قايتباي بسبب صعوده إليه بالطيلسان، ولم يستحسن السلطان ذلك منه، وتمسك السيوطي بموقفه وكادت الأمور تسير سيرا حسنا لولا أن ابن الكركي خصم السيوطي أوفر صدر السلطان وزين له البطش بالسيوطي مما دعاه إلى أن يحجم بعد ذلك عن الصعود إلى السلطان وألف رسالة سماها «ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين»، وقد ألف في لبس الطيلسان

رسالة سابقة يدعم بها موقفه واستفتى السلطان العلماء في شأن موقف السيوطي، ولكنهم لم ينصروا الحق مما دعاه إلى أن يعتزل وظائفه السابقة «٢».

وهنا نستطيع أن نقرر أن اعتزال السيوطي واعتكافه حين بلوغه الأربعين كما روى ذلك المترجمون له «٣»، كان في الفترة التي أعقبت اعتزاله لوظائفه السابقة وقبل توليه مشيخة البيبرسية، وقد كان اعتزالا موقوتا، ولم يكن دائما كما توهم التراجم السابقة، وإلا فإننا لا نستطيع أن نفسر اعتكافه مع توليه فيما بعد مشيخة البيبرسية ومكوثه بها نحو خمسة عشر عاما (٨٩١ هـ- ٩٠٦ هـ) مع مشاركته في الحياة العامة.

ونحن نقول إنه مال إلى الزهد والعبادة منذ ذلك التاريخ ولكن اعتزاله


(١) الضوء اللامع ج ٤ ص ٦٩.
(٢) الشعراني: ذيل الطبقات الكبرى ورقة ١٨، ١٩.
(٣) المصدر السابق ورقة ١٧، شذرات الذهب ج ٨ ص ٥٣، تاريخ النور السافر ص ٥٥.

<<  <   >  >>