للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه عند السلطان الذي كان يضمر له الكراهية من قبل فأقسم السلطان أن يقطعه قطعا فبلغ ذلك السيوطي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن رأسه تقطع في يوم كذا وكذا، فكان الأمر كما قال «١».

كما روى الشعراني عن الشيخ عبد القادر الشاذلي أن السيوطي امتحن «المحن الكثيرة وما سمعته يوما واحدا ينحو على من آذاه من الحسدة ولا يقابله بسوء وإنما يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، وصنف في ذلك كتابا سماه تأخير الظلامة إلى يوم القيامة» «٢».

على أن دياجير الظلمة التي اكتنفت السيوطي في محنته السابقة وفرضت عليه أن يعيش فيها لم تلبث أن تبددت، وانقشعت السحب القاتمة التي ظللت سماء حياته لثلاثة أشهر، فقد دالت دولة طومان باي بعد ثورة المماليك عليه، واضطر إلى الهرب، وآلت السلطنة إلى الغوري الذي بويع في مستهل شوال عام ٩٠٦ هـ وفي ذلك اليوم ظهر السيوطي بعد اختفائه وقد كفاه الله شر السلطان السابق «٣». وتقبل الدنيا مرة ثانية على السيوطي فيرى بعينيه ما يحل بخصمه طومان باي إذ هرب واختفى وكثر التفتيش عنه من قبل السلطان الجديد، وظل مختفيا نحو ثلاثة أشهر ثم انتهى أمره بأن حصره المماليك في أحد المنازل وألقى بنفسه يحاول الفرار ولكنهم اهتبروه بسيوفهم ومزقوه شر ممزق «٤».

وقد تحول السيوطي بعد هذه المحنة تحولا كبيرا، ولا شك أن هذه الأحداث كان لها دور كبير في تحوله الأخير، ولكن الباعث على هذا التحول كان كامنا في نفسه من قبل، فلقد سبق له أن اعتزل الناس واعتكف في بيته فترة من الوقت بعد بلوغه الأربعين واعتزاله وظائفه، ثم إن اتجاه الزهد والانقطاع كان مؤثرا في حياته طيلة المدة التي تولى فيها مشيخة البيبرسية، بالرغم من مشاركته في الحياة العامة وإسهامه في النفع العام بالتدريس حيث ظل إلى ذلك الحين يملي الحديث


(١) الشعراني: ذيل الطبقات الكبرى ورقة ٢١، ٢٢ ص ٤٢، ٤٣.
(٢) المصدر السابق ورقة ٢٢ ص ٤٣.
(٣) ابن إياس: بدائع الزهور ج ٤ ص ٥.
(٤) المصدر السابق ج ٤ ص ٩، ١٠.

<<  <   >  >>