للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلطنة إلى طومان باي ألدّ أعدائه، والذي تولى كبر الحملة عليه إبان أزمته السابقة، وكان طومان باي عسوفا سفاكا للدماء كثير التدبير للمؤامرات، وقد قتل كثيرا من خصومه من أمراء المماليك أثناء حكمه، وبالرغم من ذلك فقد كان يظهر العدل في بعض الأمور مما حببه إلى العامة من الناس وإن كان يخفي في نفسه غير ما يظهر «١»، وهذه الصفات بطبيعتها كفيلة بأن تجعل رجلا مثل السيوطي يخشى على نفسه منذ اليوم الذي ولي فيه طومان باي السلطنة.

لذلك اختفى السيوطي بعد توليه في عام ٩٠٦ هـ «٢»، وكان حصيفا في تصرفه إذ إن السلطان قد طلبه ليفتك به، وقد كثر الواشون لديه، وقد أوغروا صدره عليه مما جعله يتهدد بتقطيعه إربا إربا «٣».

ومكث السيوطي مختفيا منذ جمادى الآخرة عام ٩٠٦ هـ، لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، وفي خلال هذه الفترة فقد وظيفته بالبيبرسية إذ صرف عنها وتولى مكانه الشيخ يس البلبيسي «٤».

ويبدو أن السيوطي قد عانى مدة اختفائه كثيرا من الآلام لما كان يبلغه من وعيد السلطان وتهديده، بيد أنه قابل هذه المحن بالصبر والشجاعة التي أثرها عنه تلامذته الذين شاهدوه في محنته أو نقلوا عنه فيما بعد أخبار هذه المحنة.

ويترجم الشعراني لشيخه السيوطي ترجمة تفيض بالحب والاعجاب، ويذكر له كثيرا من المواقف الحسنة، وما أظهره الله على يده من الكرامات، ومهما يكن من شيء في أمر الخوارق التي أوردها السيوطي، وسواء أكانت قد حدثت بالفعل أم كانت من قبيل المنقبيات فإننا نستطيع أن نستدل منها دلالات تعيننا على تعرف الأحداث التي مر بها المترجم له والمواقف التي وقفها.

ومما رواه الشعراني من أخبار هذه المحنة أن أعداء السيوطي قد أججوا النار


(١) ابن إياس: بدائع الزهور ج ٤ ص ١١، ج ٢ ص ٣٩٥، ٣٩٦.
(٢) المصدر السابق ج ٢ ص ٣٩١، ٣٩٢.
(٣) ذيل الطبقات الكبرى ورقة ٢٢ ص ٤٣.
(٤) بدائع الزهور ج ٢ ص ٣٩١، ٣٩٢.

<<  <   >  >>