للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهدية فإن الله أغناني عن مثل ذلك «١»، وقد كان السيوطي يرى منذ وقت مبكر في حياته وبعد اصطدامه بالسلطان قايتباي أن عدم التردد إلى السلاطين والأمراء أسلم للمسلم وكذلك رد أموالهم عليهم.

وفي هذه الفترة الأخيرة من حياة السيوطي عرض عليه الغوري أن يلي مشيخة مدرسته التي ابتناها بالقبة الزرقاء فلم يقبل، ويبدو أن السلطان قد ألح عليه، ولكن الرجل قد ثبت على رأيه وآثر البقاء في عزلته «٢».

ولقد كان السيوطي يحاول أن يعتزل منذ وقت مبكر، وكان ينفث في كتاباته ما يدل على ميله إلى الزهد وإحساسه بدنو الأجل، فهو حين يترجم لنفسه وقد كتب هذه الترجمة وهو في الحلقة الخامسة من عمره يقول بعد أن يعدد العلوم التي حصلها وأنه اكتملت لديه آلات الاجتهاد: «أقول ذلك تحدثا بنعمة الله تعالى لا فخرا، وأي شيء في

الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر، وقد أزف الرحيل، وبدا الشيب وذهب أطيب العمر» «٣».

وظل السيوطي في عزلته وانقطاعه إلى العبادة والتأليف، وابتعاده عن الحياة العامة بالرغم من ميل السلطان الغوري إلى إشراكه في الحياة العامة وتوليته بعض المناصب لما كان يكنه له من إكبار في نفسه، حتى إذا ما انقضت سنوات ثلاث على هذه العزلة وتوفي الشيخ يس البلبيسي شيخ البيبرسية (ذو الحجة عام ٩٠٩ هـ) «٤»، عرض على السيوطي أن يعود مرة ثانية إلى وظيفته السابقة ولكنه رفض «٥».

وقد كان السيوطي في هذه المرحلة الأخيرة من حياته يسلك المسلك العملي للصوفية وقد أعرض عن الدنيا وأهلها وامتنع عن الذهاب إلى الأمراء والسلاطين، وقد روي أنه سئل أن يقضي حاجة لإنسان عند الغوري، وكان


(١) المصدر السابق ورقة ١٨ ص ٣٦، شذرات الذهب ج ٨ ص ٥٣.
(٢) ذيل الطبقات الكبرى ورقة ٢١ ص ٤١.
(٣) حسن المحاضرة ج ١ ص ١٩٠.
(٤) ابن العماد: شذرات الذهب ج ٨ ص ٤٣ ترجمة البلبيسي.
TheEncy clopaediaofIslam» AlSuyuti «. (٥)

<<  <   >  >>