للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفتاوى أو الاستنباط، فقد هاجم خصمه الجوجري وأنكر عليه ما أفتى به في تفسير قوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى بأن الآية وإن نزلت في أبي بكر فإنها عامة المعنى إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد أفتى الجوجري بذلك نتيجة لما حدث من خلاف بين بعض أمراء المماليك في تفضيل أبي بكر على سائر الصحابة، وقد ردّ السيوطي على فتوى الجوجري بقوله: «هذا شأن من يلقي نفسه في كل واد، والرجل فقيه فماله يتكلم في غير فنه؟ وهذه المسألة تفسيرية حديثية أصولية كلامية نحوية، فمن لم يكن متبحرا في هذه العلوم الخمسة لم يحسن التكلم في هذه المسألة» «١»، ثم يفند السيوطي بالأدلة العلمية النقلية والعقلية قول الجوجري، ويؤيد ما ذهب إليه من نزول الآية في حق أبي بكر واعتباره أفضل الصحابة، ويحمل على الجوجري حملة قوية يذكر فيها أنه ليس أهلا للفتيا في هذا الفن لأنه لا يتقنه، ولو جاز له أن يفتي فيه لكان ذلك جائزا لآحاد الطلبة، وللعوام والسوقة إذ «لا يعدم أحد منهم أن يكون عارفا بعدة من المسائل تعلمها من عالم، أو رآها في كتاب، ولا ريب في أنه لا يجوز لأحد منهم أن يفتي» «٢»، ويذكر أن مدار الفتوى على التبحر في العلم «فمن تبحر في فن أفتى به، وليس له أن يتعدى إلى فن لم يتبحر فيه» «٣»، ويستمر السيوطي في بيان التأهل للفتوى في الفنون المختلفة ويسيل قلمه دافقا ويصرح من حين إلى آخر باسم خصمه الذي كان ينبغي أن يلاحظ هذه الأقوال ويعرفها قبل أن يقدم على الفتوى «٤».

وقد جر التصدي للإفتاء على السيوطي بعض العداوات بيد أنه- في حقيقة الأمر- لم يكن يأبه بمن يخالفه إذا أثبت له البحث أنه على الحق، وقد خالف في بعض فتاواه أكثر مفتي عصره، وفي هذه الأحوال كان يعرض للمسائل عرضا موضوعيا علميا يثبت فيه ما يراه حقا ويدفع ما يراه باطلا معبرا عن ذلك


(١) الحبل الوثيق في نصرة الصديق، رسالة له بكتاب الحاوي ج ١ ص ٥٠٤، النص ص ٥٠٤، ٥٠٥.
(٢) المصدر السابق ص ٥٠٧.
(٣) نفس المصدر ص ٥٠٨.
(٤) نفس المصدر ص ٥٠٨ - ٥١٥.

<<  <   >  >>