للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم «١»، وقد أفتى غير ذلك ببطلان بعض الأحاديث التي سئل عنها، وأجاب بصحة غيرها «٢»، وكان يستفتي في تفسير بعض الأحاديث ويجيب عن التعارض بين الأحاديث ويبين، كيفية الاستنباط منها والعمل بها بأجوبة حسنة تدل على تمكنه في ناحيتي السند والمتن وسعة اطلاعه التي شملت كتب الحديث والرجال المختلفة.

على أن ما أبغي الوصول إليه من اهتمام السيوطي البالغ بعلم الحديث وإفناء جلّ وقته فيه هو أن عقليته قد تأثرت تأثرا كبيرا بعلم الحديث بحيث أستطيع القول بأنه أولا وقبل كل شيء محدّث من النوع الأول، والأثر الذي تركه التمرس بعلوم الحديث في عقله تجلى في عنايته بالنقول والنصوص، واتضح تشربه بعلم الحديث، وتأثير ذلك في عقليته في سائر فروع المعرفة التي تناولها، كما استعلن في كثير من كتاباته المتنوعة، ونجد في غالب آثاره شواهد لما نقول حيث تشيع فيها ظاهرة النقل والاهتمام

بذكر المنقول عنهم، وهكذا فلقد أثر منهج المحدثين الخاص بالرواية في التأليف عند السيوطي بحيث إنه كان حريصا في كل مؤلفاته على أن ينسب كل قول إلى قائله، والكتاب الذي نقل عنه وسنشير إلى هذه الفكرة عند الحديث عن دراساته اللغوية التي طبق عليها منهج المحدثين.

ويؤكد هذه الفكرة أيضا ما نلحظه في كتاباته الأدبية التي كان عليه أن يتحرر فيها من النقل، بيد أن روح المحدث وعقليته وطريقته تبدو ظاهرة في أقواله وأسلوبه بين حين وآخر، ففي المقامة المسكية في أنواع الطيب- مثلا- يتحدث عن الموازنة بين أنواع الطيب وهي المسك والعنبر والزعفران وغيرها، حيث يتحدث كل واحد منها عن نفسه مبينا فضيلته، ويتبع السيوطي فيها ما شاع في عصره من محسنات لفظية، ويهمنا هنا أنه ظهرت فيها ثقافته الحديثية بحيث يدرك قارئها أن صاحبها قد تشرب بهذه الثقافة أكثر من أي شيء آخر «٣»، وفي


(١) المصدر السابق ج ١ ص ٥٣٥.
(٢) انظر:- مثلا- الحاوي للفتاوي ج ١ ص ٥٥٦، ٥٥٧.
(٣) المقامة المسكية في أنواع الطيب (ضمن مقامات السيوطي ص ١ - ١١).

<<  <   >  >>