للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما المراحل التي مر بها الدرس اللغوي قبل السيوطي؟ وما الأدوار التي اضطلع بها رجال اللغة على مر الأحقاب المتوالية؟ ثم ما هي الآثار التي خلفها هؤلاء في ذلك الفرع من فروع المعرفة الانسانية؟.

الحقيقة أن الاجابة على ذلك تستلزم بحثا طويلا يخرج بنا عما نقصد إليه من بحثنا وهو تحديد دور السيوطي في الدرس اللغوي لا سيما أن الآثار التي خلفتها القرون الطويلة من الكثرة بحيث يصعب مجرد حصرها فضلا عن تناولها بالدراسة، وليس يعني ذلك التقاعس عن التعرض لهذا الموضوع، وإنما يعني أننا سنتناوله بالقدر الذي نراه موفيا لما نقصد إليه من بحثنا الأساسي ولذلك فلا لوم علينا إذا اقتصرنا على تناول المعالم الرئيسية لهذا الموضوع أو اقتصرنا على الاشارة إلى أهم رجال اللغة، مغضين النظر عن بعض التفصيلات التي لا تحدث تغييرا في الصورة العامة التي نرسمها ونحددها.

والبحث في اللغة ينشأ لدى أي أمة من الأمم نتيجة لقيام تضاد بين لغتين أو مرتبتين من لغة واحدة «١»، فحينئذ يمكن ملاحظة بعض الخصائص اللغوية، وقد كانت العربية منذ وقت مبكر حافلة بصور الخلاف بين لهجاتها المتعددة التي تمثل مستوى معينا في الاستعمال العادي بعضها مع بعض من ناحية، وبين جميع هذه اللهجات وبين اللغة المثالية التي هي لغة القرآن والأشعار والتي كان العرب جميعا يستطيعون فهمها من ناحية أخرى.

بيد أن الدافع القوي الذي دفع إلى البحث في الدرس اللغوي والعناية بالألفاظ اللغوية هو نفس ما حدث بالنسبة للنحو من انتشار اللحن نتيجة لاختلاط العرب بغيرهم من الأمم، فلم يعد اللحن يقتصر على عدم القدرة على ضبط أواخر الكلمات بل تعداه إلى استعمال الألفاظ وتحريفها في الاستعمال عن مواضعها التي تعارفت العرب عليها، أو عدم القدرة من قبل المستعربين على حفظ هذه الألفاظ وضبطها والنطق بها على هيئاتها الصحيحة الصوتية والصرفية مما هدد بضياع كثير من الفاظ اللغة، وحفز بالتالي العلماء على تدوينها


(١) بروكلمان: تاريخ الأدب العربي ترجمة الدكتور محمد عبد الحليم النجار ج ٢ ص ١٢٣.

<<  <   >  >>