للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضبطها والبحث عن معانيها الدقيقة، لتعين فيما بعد على تفهم معاني القرآن الكريم والحديث والشعر، وقد عبر عن هذه الحقيقة ابن خلدون بقوله: انه «لما فسدت ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عند أهل النحو بالاعراب واستنبطت القوانين لحفظها كما قلناه، ثم استمر ذلك الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم حتى تأدى الفساد

إلى موضوعات الألفاظ فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلا مع هجنة المستعمرين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتابة والتدوين خشية الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملوا فيه الدواوين» «١». ومن هنا فإن العناية بدراسة ألفاظ اللغة وتحديد مدلولاتها وضبطها قديم، وربما كان هذا النوع من الدراسة أقدم في نشأته من العناية بالاعراب، لأن نشأته قد بدأت في الظهور منذ العناية بالنص القرآني وتفسير بعض ألفاظه. ولعلّ فيما ينسب إلى ابن عباس رضي الله عنه من المسائل المعروفة بمسائل نافع بن الأزرق لعل فيها دلالة على هذه العناية منذ وقت مبكر سواء صحّت نسبة جميعها أو بعضها.

على أننا ندخل في دائرة الدراسة اللغوية الجادة التي بقي لأصحابها آثار تدل على نوعية دراساتهم، أو أثر عنهم قيامهم بأنواع من الدراسات اللغوية حين تصل إلى أبي عمرو بن العلاء «٢»، ونكون بذلك قد تخطينا من المشتغلين بالبحوث اللغوية طبقة أبي الأسود وتلاميذه الذين غلب عليهم الاشتغال بالنحو، وقد كان أبو عمرو معاصرا لعبد الله بن أبي إسحاق صاحب الشهرة الكبيرة في تاريخ النحو والقياس وكان «عبد الله يقدّم على أبي عمرو في النحو، وأبو عمرو يقدّم عليه في اللغة، وكان أبو عمرو سيد الناس وأعلمهم بالعربية والشعر ومذاهب العرب» «٣».

وقد ولد أبو عمرو بمكة عام ٧٠ هـ تقريبا وعاش بالبصرة، وتحدثنا تراجمه العديدة في كتب الطبقات بقيامه بجمع أشعار العرب القدماء والدءوب على


(١) ابن خلدون: المقدمة ص ٥٤٨.
(٢) راجع مقدمة تهذيب اللغة للأزهري ج ١ ص ٨.
(٣) المزهر ج ٢ ص ٣٩٨، ٣٩٩.

<<  <   >  >>