للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجدت ألفاظ أجنبية استعملها العرب قبل الاسلام في لغتهم نتيجة الاختلاط بينهم وبين غيرهم من الأمم، وقد كان بمكة جاليات أجنبية من الحبشة والروم والفرس ممن اشتغلوا بالتجارة وأقاموا بها، وقد دخلت إلى العربية بعض ألفاظهم بعد شيء من التحوير في أصواتها وصيغها لتناسب الأصوات والصيغ العربية، كما أن اختلاط العرب بالأمم المحيطة بهم وهم طريق التجارة وأداتها بين الشرق والغرب معروف، ونلاحظ مصداق ذلك في أشعار الجاهليين لا سيما من أكثر منهم دخول بلاد الفرس والروم أو البلاد المجاورة لها. فنلاحظ لديهم استعمال الألفاظ الأجنبية بعد تعريبها، والقول الذي يشير إلى هذه الحقيقة ويرى استعمال الألفاظ المعربة في القرآن الكريم بعد أن عربتها العرب هو ما نسب إلى أبي عبيد القاسم بن سلام، وقد نقل عنه السيوطي قوله: «والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال عجمية فصادق» «١».

وقد حكى السيوطي رأيا مشابها لهذا، ولكنه لم يحدد قائله، وهو أكثر وضوحا ودقة، إذ يرى أصحابه أنه «كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لسائر الألسنة في أسفارهم فعلقت من لغاتهم ألفاظا، غيرت بعضها بالنقص من حروفها، واستعملتها في أشعارها ومحاورتها، حتى جرت مجرى العربي الفصيح، ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن» «٢».

والقرطبي ينسب هذا القول إلى ابن عطية في عبارة أكثر تفصيلا- لخص عنها السيوطي عبارته السابقة- توضح تماما هذه الفكرة إذ يقول: «فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها، فهي عربية بهذا الوجه، وقد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات، وبرحلتي قريش، وكسفر مسافر بن أبي عمرو


(١) المصدر السابق ج ١ ص ١٣٨.
(٢) الاتقان في علوم القرآن ج ١ ص ١٣٧.

<<  <   >  >>