في العربية، قال في اللسان:«الحور: الرجوع عن الشيء أو إلى الشيء، حار إلى الشيء وعنه حورا، ومحارا، ومحارة وحؤورا رجع عنه وإليه، قال لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع»
فالكلمة مستعملة بهذا المعنى في العربية، ووجودها في الحبشية بنفس المعنى أمر طبعي لكونها لغة سامية كالعربية، ولكن ذلك لا يعنى أن إحدى اللغتين قد نقلت الكلمة عن الأخرى، وإنما كلتاهما قد أخذتها من اللغة الأم.
وكلمة «اليم» المستعملة في القرآن والتي نقل أنها معربة عن السريانية أو عن العبرانية ليس هناك ما يؤكد أن العربية قد أخذتها عن إحدى هاتين اللغتين، وإنما وقعت المشابهة نتيجة لاتحاد الأصل الذي تنتمي إليه اللغات الثلاث، والذي يجعلنا نرجح أن أكثر هذه الألفاظ أو جانبا منها لم تنقلها العربية عن هذه اللغات أن اللغات السامية لم يكن لها ما يدفع إلى تأثر العربية من غلبة المتكلمين بها أو كثرتهم أو تحضرهم باستثناء الحبشية التي كان لها شيء من التأثير بالمجاورة للعرب في وقت من الأوقات قبل الإسلام.
وأمام هذه الكلمات المنسوبة إلى اللغات السامية نستطيع القول بأن وجهة نظر الذين نفوا دخول ألفاظ أعجمية في القرآن وذهبوا إلى القول بالاتفاق في الوضع اللغوي أقرب إلى الصواب من وجهة نظر الذين قالوا بوجود هذه الألفاظ، وإن كانت كلتا النظرتين غير دقيقة في جملة ما ذهبت إليه.
ولا يقف الأمر عند الحدود السابقة، بل إن كثيرا من الألفاظ التي نسبها إلى لغات أخرى غير سامية نستطيع أن نحكم بعربيتها لوجود الأدلة التي تدلنا على ذلك، فقد نقل أن كلمة «مقاليد» كلمة فارسية ومعناها المفاتيح، مع أن مادة «قلد» ومشتقاتها مستعملة في العربية بكثرة ومنذ القدم وقد ذكر صاحب اللسان «قلد الماء في الحوض واللبن في السقاء والسمن في النّحي يقلده قلدا، جمعه فيه، والقلد جمع الماء في الشيء، ورجل مقلد: مجمع، والمقلد: عصا في رأسها اعوجاج يقلد بها الكلأ ... والجمع المقاليد، والمقلد: المنجل يقطع به القت قال الأعشى: