والواقع أن هذا الترتيب يراعى فيه طبيعة ترتيب الموضوع، ثم إلى حد ما التدرج التاريخي للنقول، فإذا نظرنا إلى أول مبحث في كتابه وهو «الصحيح» وجدناه قد بدأ بتعريف اللغة، وتحت هذا الغرض أورد نقولا ثلاثة راعى فيها التدرج التاريخي فأولها نص لابن جني والثاني لامام الحرمين والثالث لابن الحاجب «١».
ثم انتقل إلى غرض آخر من أغراض الموضوع وهو كون اللغة توقيفا أو اصطلاحا، فبدأ بنقل نص عن ابن فارس أتبعه بنقل عن ابن جني ثم تعرض بعد ذلك لآراء الأصوليين فلخصها عن المحصول لفخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ) ثم أورد نقولا بعد ذلك عن كتب في الأصول لابن برهان (٥٢٠ هـ)، ثم عن إمام الحرمين فالغزالي فابن الحاجب فتاج الدين السبكي، وهكذا نرى عدم التزامه الدقيق بالتدرج التاريخي في ترتيب هذه النقول، وإن كان هذا التدرج قد التزمه في إيراد أقوال إمام الحرمين فمن بعده، وهناك بعض نقول له يراعى في ترتيبها التدرج التاريخي، فحين يتحدث عن الحكمة في وضع اللغة ينقل عن الكيا الهرّاسي (٥٠٤ هـ)، ثم يتبعه بالنقل عن الفخر الرازي (٦٠٦ هـ)، ويكاد لا يلتزم بهذا التدرج حين حديثه عن ثبوت اللغة بالقياس التي أفاض في بحثها الأصوليون فبدأ بالنقل عن الكيا الهراسي (٥٠٤ هـ)، فابن برهان (٥٢٠ هـ)، فامام الحرمين (٤٧٨ هـ)، فالغزالي (٥٠٥ هـ).
بيد أن السيوطي لا يلتزم بدقة في أحيان غير قليلة بالتدرج التاريخي للكتب التي نقل عنها فهو ينقل مثلا في فعّيل فعّيلى أمثلة من الجمهرة لابن دريد (٣١٠ هـ)، ثم ينقل عن ديوان الأدب للفارابي وهو متأخر عنه، ولكنه يعود فيورد أمثلة عن الصحاح للجوهري (٤٠٠ هـ)، وهو سابق على الفارابي، ثم ينقل مرة أخرى عن جمهرة ابن دريد، ثم عن ابن فارس (٣٩٥ هـ)، ثم عن الصحاح للجوهري، ثم عن أمالي القالي (٣٥٦ هـ)، وطبيعة هذه النقول لا تحتاج إلى التزام التدرج التاريخي التزاما دقيقا فليس ذلك مما يؤخذ عليه.
والحق أن ما يجب مراعاة التدرج التاريخي فيه هو النقول التي تعرض لفكرة