للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا نكاد نجد بعد ابن الأنباري من تناول نقد الرواية اللغوية علما له أصوله وأقسامه المحددة غير السيوطي، وكل ما قيل فيها قبل السيوطي عدا ما بيناه إنما هو أبحاث قليلة لبعض الأصوليين تناولوا فيها بعض الموضوعات، أو إشارات متناثرة للغويين مبثوثة في ثنايا كتبهم، لذلك يعد ما قام به السيوطي عملا مبتكرا فقد استطاع أن يجمع شتات ما سبق به وأن يضم متفرقات شتى ويقيم منها أقساما لها كيانها، ويضع للغة منهجا متكاملا في نقد الرواية لا يكتفي فيه بالجانب النظري وحده بل يقوم بتطبيقه على ألفاظ اللغة وما نقل منها بحيث يمكن أن نعد كتابه أهم كتاب وضع في نقد الرواية اللغوية علما له أصوله ومصطلحاته، وتصنيف اللغة على أساس هذا العلم، فهي محاولة جمع فيها بين النظر والتطبيق. حاول السيوطي أن يضع مصطلحا للغة يضاهي مصطلح الحديث، وقد طبق أقسامه على اللغة، وسنبين إلى أي حد كان هذا المنهج مطابقا لواقع الدرس اللغوي.

ويتضح لنا مقدار الجهد الذي بذله من نظرتنا في المباحث التي تناولها محاولا دراسة اللغة في إطار منهج لنقد روايتها يضاهي منهج المحدثين بحيث إن الناظر في مسرد عناوين الأقسام التي قسمها السيوطي ومسرد موضوعات كتاب في مصطلح الحديث كمقدمة ابن الصلاح ليدرك مدى التشابه بينهما في كثير من الأقسام.

وقد قسم السيوطي كتابه إلى خمسين قسما، كل مجموعة منها تتناول اللغة من جانب معين، فثمانية أنواع تناول فيها اللغة من حيث الإسناد وهي: الصحيح الثابت، وما روي ولم يصح ولم يثبت، والمتواتر والآحاد، والمرسل والمنقطع، والأفراد، ومن تقبل روايته ومن ترد، وطرق الأخذ والتحمل، والمصنوع وهو الموضوع.

ثم تناول اللغة من ناحية ألفاظها في ثلاثة عشر نوعا بيد أنه لم يحاول أن يدرج أبحاثها تحت مصطلحات المحدثين، ولذلك فبعض الأنواع يضاهي مباحث للمحدثين، وبعضها ليس لهم مباحث من قبيله، ثم تناول اللغة وألفاظها من حيث المعنى في ثلاثة عشر نوعا ونلاحظ في دراسته لبعض هذه

<<  <   >  >>