للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينما عني به أهل الحديث عناية بالغة والسبب في ذلك يرجع أيضا إلى الفارق الطبيعي بين المنقول في اللغة وبين المنقول في الحديث، وتوفر الدواعي إلى الكذب في الحديث وعدم توفرها في اللغة إلا بقلة، واستمرار الرواية عن الفصحاء إلى زمن متأخر، واستمرار الأخذ عن الأعراب إلى زمن أكثر تأخرا وهو ما جعل أسانيد اللغة- في كثير من الأحيان- أقصر من أسانيد الأحاديث، بالاضافة إلى الأسباب التي سبق بيانها عند الحديث عن العناية ببحث الرواة جرحا وتعديلا.

وعلى أية حال فلقد أغفل اللغويون بحث طرق الأخذ والتحمل في رواية اللغة، وقد حاول السيوطي أن يستدرك هذا النقص لديهم في المبحث الذي خصصه لهذا الموضوع «١»، وترسم فيه خطى المحدثين فقد ذكر أن هذه الطرق ستة أولها السماع من لفظ الشيخ أو العربي وقد أورد ما قاله ابن فارس عن مأخذ اللغة في هذا الموضع، ثم بين صيغ الأداء والرواية، فأعلاها «أملى»، وقد مثل لها ببعض الأمثلة التي وردت بكتاب اللغة ككتاب القالي، ويليها «سمعت»، ويليها «حدثني فلان وحدثنا فلان»، ويليها «أخبرني وأخبرنا» ثم «قال لي» ثم «قال» ثم «زعم» و «عن» وقد مثل لكل صيغة ببعض ما ورد في كتب اللغة من استعمالاتها، وذكر أن الشعر يقال فيه: «أنشدنا وأنشدني» وقد يستعمل فيه «حدثنا وسمعت». والطريق الثانية هي القراءة على الشيخ ويقول عندها: «قرأت على فلان». وثالثها السماع على الشيخ بقراءة غيره، ويقول عندها: «قرئ على فلان وأنا أسمع»، والرابع الاجازة وذلك في رواية الكتب والأشعار المدونة وقد نقل السيوطي قول ابن الأنباري فيها وتجويزها، وخامسها المكاتبة، وسادسها الوجادة.

وقد مثل لكل من هذه الطرق ببعض ما وقع لها في كتب اللغة من أمثلة حيث استعملت عبارات من قبل اللغويين تنم عن مراعاة لطرق الأخذ والتحمل ودراية بها، ونرى أن هذه الطرق التي أوردها السيوطي هي نفس


(١) المزهر ج ١ ص ١٤٤، معرفة طرق الأخذ والتحمل.

<<  <   >  >>