للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لفهم كل واحد كل اللغات لعدم اختلاف الدلالات الذاتية، واللازم باطل فالملزوم كذلك «١».

وكثير من أبحاث القدماء تسير على هدى من هذه الفكرة التي يتلمس أصحابها المناسبة والصلة بين اللفظ ومدلوله، فأبحاثهم في الاشتقاق بنوعيه وبحث الاشتقاق الكبير الذي تناوله ابن جني، والذي توسع فيه ابن فارس في معجم المقاييس وحاول إرجاع المواد المشتركة في الحروف على الرغم من هيئاتها المختلفة وفروعها المتنوعة إلى أصل واحد أو إلى أصلين لاشتراكها أصلا في مجموعة من الأصوات المعينة، وقد بدا في كثير من هذه المواد كثير من التعسف في محاولة ردها إلى أصول مشتركة، كذلك ما قام به ابن دريد الذي حاول في كتابه الاشتقاق تعليل الأسماء العربية كأسماء القبائل والأمكنة وإيجاد المعاني التي ترجع إليها هذه الألفاظ، وكثير من الأبحاث غير ما قدمنا تراعي هذه المناسبة وتحاول إثباتها أو تلمس بعض جوانبها أو مظاهرها.

وفي الحديث نجد يسبرسن يتناول هذه الفكرة «٢»، فيعرض رأي همبلت الذي يذهب إلى أن اللغات بوجه عام تؤثر التعبير عن الأشياء عن طريق ألفاظ أثرها في الآذان يشبه أثر تلك الأشياء في الأذهان، ويتضح من عرض يسبرسن وحديثه ميله لفكرة المناسبة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله، إلا أنه حذر من المغالاة في هذا إذ إن هذه الظاهرة لا تكاد تطرد في لغة من اللغات، كما أن بعض الكلمات تفقد هذه الصلة على مر الأيام. وقد تناولها إبراهيم أنيس فعرض أفكار السابقين من اليونان والعرب وعلماء اللغة من الأوربيين المحدثين، وذكر ممن عارضها بشدة دي سوسير إذ رأى هذه الصلة اعتباطية لا تخضع لمنطق أو نظام مطرد، وقد بين الباحث الأسباب التي تدفع إلى التفكير في وجود الصلة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله، ومال إلى القول ببطلان هذه النظرية، وأورد بعض


(١) المزهر ج ١ ص ١٦.
(٢)
OttoJespersen: Language: ItsNatureDevelop mentandOrigin, chapterXX: SoundSymbolism, P ٣٩٦.

<<  <   >  >>