للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورجح القرافي والتاج السبكي أن المركبات موضوعة كالمفردات.

ولم يوضح السيوطي موقفه من هذا الخلاف، والواقع أن بحوث النحويين في الجملة وترتيبها وجواز التقديم والتأخير وما يتصل بنظام الجملة وتركيبها استنادا إلى ما نقل عن العرب يدل على أن القول بأن المركبات موضوعة كالمفردات أقرب إلى الصواب، وهو ما ترسمه النحاة في بحث نظام الجمل وتركيبها. وقد نقل السيوطي عن أبي حيان في شرح التسهيل ما يؤكد هذه الفكرة حيث يقول:

«العجيب ممن يجيز تركيبا ما في لغة من اللغات من غير أن يسمع من ذلك التركيب نظائر، وهل التراكيب العربية إلا كالمفردات اللغوية، فكما لا يجوز إحداث لفظ مفرد، كذلك لا يجوز في التراكيب، لأن جميع ذلك أمور وضعية والأمور الوضعية تحتاج إلى سماع من أهل ذلك اللسان، والفرق بين علم النحو وبين علم اللغة أن علم النحو موضوعه أمور كلية وموضوع علم اللغة أشياء جزئية، وقد اشتراكا معا في الوضع» «١».

ويشتد الجدل حول كون المركبات موضوعة أم لا، وسبب الخلاف- كما يبدو- عدم تحديد المعنى المراد بالوضع وما يترتب عليه، فبعض من لا يرى أن المركبات موضوعة إنما ينفي ذلك لأن القول بكونها موضوعة يعني أن استعمالها وفهم معناها متوقف على النقل عن العرب كالمفردات، وقد نقل السيوطي عن صاحب البحر المحيط هذه الخلافات، وقد حاول الزركشي أن يتوصل إلى قول يحسم به الخلاف حيث ذهب إلى أن العرب إنما وضعت أنواع المركبات، أما جزئيات الأنواع فلا «٢».

ويكاد ابن جني يقف على الجادة حين يتصور تطور اللغة وأثر كثرة الاستعمال في تطور الصيغ، ولكن رغبته في نسبة الحكمة إلى العرب واضعي اللغة ترجعه عن ترجيح هذه النظرية الصادقة ليقول بأن «ما غير لكثرة استعماله، إنما تصورته العرب قبل وضعه، وعلمت أنه لا بد من كثرة استعمالها إياه فابتدءوا بتغييره علما


(١) المزهر ج ١ ص ٤٢، ٤٣.
(٢) المزهر ج ١ ص ٤٥.

<<  <   >  >>