للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأن لا بد من كثرة الداعية إلى تغييره وهذا في المعنى كقوله:

رأى الأمر يفضى إلى آخر ... فصير آخره أولا

وقد كان أيضا أجاز- أي أبو الحسن- أن يكون «قد كانت قديما معربة، فلما كثرت غيرت فيما بعد، والقول عندي هو الأول لأنه أدل على حكمتها وأشهد لها بعلمها بمصاير أمرها» «١». هذا عن بحث الوضع اللغوي وتطور هذا الوضع.

وتأسيسا على هذا فهم يفسرون ظاهرة اختلاف اللهجات العربية باختلاف الوضع الأول فما وضع في الأصل وضع مختلفا ثم أحدثوا من بعد أشياء كثيرة للحاجة إليها غير أنها على قياس ما وضع في الأصل مختلفا «٢»، ونجد السيوطي حين يتحدث عن هذه الفكرة ينقل بعض حديث ابن جني ولا يعقب بشيء فكأنه يتابعه في فكرته «٣».

وقد أنكر أمين الخولي على القدماء بحثهم في الوضع بهذا المنهج، وأنكر فكرة ابن جني وغيره التي دفعت اللغويين إلى أن يردوا كل شيء في «اللغة» إلى الوضع الذي وضعه الواضع الأول بحكمة استقبلت من أمر الحياة ما استدبر، وتعرفت المستقبل فصيرت الآخر أولا» «٤».

وقد انتهى من حديثه في الوضع اللغوي وما عرف عند القوم بعلم الوضع إلى نتائج مضمونها عدم التسليم بأن العربية قد تكونت بالوضع على النحو الذي بينوه، وأن علم الوضع يقوم على أساس مناقض لطبيعة اللغة الاجتماعية، فهو عمل عقلي صناعي لا لغوي، وأن التطور أصل أصيل في حياة اللغة «٥».

وقد رأينا إدراك القدماء لهذا التطور في حياة اللغة، بيد أنه قد شابه عندهم وألقى عليه كثيرا من الظلال ما أرادوه من نسبة الحكمة إلى العرب، بالإضافة إلى بعض الأفكار غير الصحيحة التي حالت دون ظهور التصورات الواقعية وسيادتها.


(١) الخصائص ج ٢ ص ٣١.
(٢) الخصائص ج ٢ ص ٢٩.
(٣) المزهر ج ١ ص ٥٥، ٥٦.
(٤) مشكلات حياتنا اللغوية ص ٣٤.
(٥) المصدر السابق ص ٤١، ٤٢.

<<  <   >  >>