والفقه» «١»، وقد أشار ابن جني إلى عمل قام به أبو الحسن الأخفش (٢١٠ هـ) يعد ممهدا لما قام به ابن جني.
وقد ربط النحويون بين أصولهم وبين أصول الفقه، وعبارة ابن جني الآنفة، تدل على شروعه في إقامة الأصول النحوية على نمط الأصول الفقهية، وتأثره بأصول الفقه واضح في حديثه عن القياس والاستحسان والاجماع، وفي حديثه المسهب عن العلل النحوية وهل هي أقرب إلى علل المتكلمين أم إلى علل المتفقهين؟، وقد استمر تأثر أصول النحو بأصول الفقه بعد ابن جني فظهر هذا الأثر عند ابن الأنباري كما ظهر عند السيوطي.
والواقع- وهو ما سبق أن نبهت إليه في بحثي عن القياس- أنه كان على هؤلاء النحاة حين حاولوا رسم منهج للنحو أي حين قاموا بوضع أصول للنحو أن ينظروا إلى القياس النحوي الذي قامت عليه الأحكام النحوية فيحددوا ما ينبغي أن يقاس عليه، ثم كان عليهم أن يرسموا للمجتهد في اللغة طريقا واضحة المعالم في استنباط الأحكام النحوية الناتجة عن الاستقراء اللغوي، وليس يهم بعد ذلك أن تجيء هذه الأصول موافقة في بعضها لأصول الفقه ومغايرة في بعض، فالأهم أن يكون المنهج معبرا عن الواقع الذي يتناوله ويعيش فيه ويخطط له، مراعيا طبيعته ومقرراته، وأهدافه، فما الذي حدث لأصول النحو نتيجة ربطه بأصول الفقه؟
لقد نتج عن هذا الربط أمران يتصل أولهما بموضوع أصول النحو التي روعي فيها أن تطابق التقسيمات المتعارف عليها عند الفقهاء، والثاني: تطور التأليف في أصول النحو تبعا لتطور التأليف في أصول الفقه، وهو ما سنلاحظه عند المقارنة بين وضع السيوطي لأصول النحو وبين ما قام به سابقوه وأهمهم ابن جني (٣٩٢ هـ)، وابن الأنباري (٥٧٧ هـ)، وقد استمر الربط بين أصول النحويين وأصول الفقه منذ بدايات الحديث في أصول النحو على يد ابن جني وقليل من سابقيه، إلى نهاية مراحل التأليف في أصول النحو عند السيوطي.