للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي حديث الزجاجي عن العلل نستطيع إدراك تطور دراسة العلل النحوية عند النحاة حيث يورد الزجاجي بصدد بعض المسائل ما احتج به أوائل النحاة كالخليل وسيبويه، ثم ما احتج به من بعدهم، ونلمس من هذا الحديث تعقد دراسة العلل شيئا فشيئا بعد بساطتها على ضوء ما ثقف النحاة من الفقه وعلم الكلام وما مارسوه من أساليب الجدل.

وقد قسم الزجاجي في كتابه العلل النحوية إلى ثلاثة أقسام «١»: العلل التعليمية، والعلل القياسية، والعلل الجدلية، فالعلل التعليمية وتسمى بالعلل الأولى هي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب فعلة نصب «زيدا» في «إن زيدا قائم» هو مجيء «إن» قبلها لأنها تنصب الاسم وترفع الخبر ليس غير، وعلة رفع «زيد» في «قام زيد» أنه فاعل.

والعلل القياسية هي العلل الثواني التي تأتي بعد العلل الأولى كأن يسأل سائل عن العلة في نصب «إن» لفظة «زيدا»، فيجيب النحاة بأنها هي وأخواتها أشبهت الفعل المتعدي إلى مفعول به واحد فعملت عمله، وتلاها منصوب كأنه مفعول مقدم ومرفوع كأنه فاعل مؤخر، فهي من هنا تشبه من الأفعال ما قدّم مفعوله على فاعله.

والعلل الجدلية وتسمى بالعلل الثوالث هي كل ما يأتي من العلل بعد ذلك، فكل ما يعتلّ به في باب «إنّ» بعد ما قدمنا هو من قبيل العلل الثوالث، كأن يسأل سائل: بأي الأفعال شبهت «إن» وأخواتها: أبالماضية أم المستقبلة؟ أو يسأل آخر لماذا لم يجز في «إن» وأخواتها أن يتقدم مرفوعها على منصوبها كما يحدث ذلك في الفعل؟ فكل ما يعتلّ به النحاة جوابا عن هذه الأسئلة ونحوها هو من قبيل العلل الثوالث.

ولا يخفى أن العلل التعليمية هي التي تمس الحاجات العملية لدارس النحو والناطقين باللغة، أما العلل الثواني والثوالث فليست إلا من قبيل الفلسفة اللغوية التي تحاول تعليل

ما هو كائن بالفعل في اللغة بعلل يخترعها النحاة بعد


(١) المصدر السابق ص ٦٤.

<<  <   >  >>