للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طول النظر والتأمل وهذه الفلسفة تحاول جاهدة تلمس وجوه الحكمة في أوضاع اللغة، ولذلك فهي لا تفيد الحاجات العملية للناطقين، وقد كانت سببا في ثورة ابن مضاء القرطبي الذي دعا إلى إسقاط هذه العلل من النحو «١».

وقد تطور درس العلل النحوية بعد الزجاجي، فأسهب ابن جني في الحديث عنها وتبعه ابن الأنباري، ونجد في كتابه «الانصاف» كثيرا من الأمثلة لهذه العلل الثواني والثوالث التي تعقد درسها شيئا فشيئا، ونرى بعد ذلك صورة لما آل إليه أمر هذه العلل النحوية التي حاول بعض المتأخرين حصرها في أربع وعشرين علة «٢»، وهي علل يقصد منها تعليل الصور النحوية بربطها بأسبابها وحمل بعضها على بعض على نحو ما يصنع الفقهاء «٣».

ونعود ثانية إلى تفصيل الجهد الذي قام به ابن جني وابن الأنباري، ثم ننظر في عمل السيوطي.

الواقع أن ابن جني بالرغم من ضخامة كتابه الخصائص الذي ذكر في أوله أنه وضعه في أصول النحو فإنه خارج في أكثر أبوابه عن «الأصول» بالمعنى الذي تقرر فيما بعد وقد تناول فيه بعض أدلة النحو فتحدث عن السماع والاجماع والقياس، وتناول العلل النحوية بحديث مفصل، بيد أن كثيرا من مباحث الكتاب تخرج عن مباحث علم الأصول وتتناول موضوعات أخرى متصلة باللغة، بل إن حديث ابن جني عن الموضوعات التي أشرنا إليها لم يكن حديثا مركزا، وبالرغم من وقوفه على كثير من الحقائق الهامة في الأصول فإن كتابته تعد بداية لمن بعده، وتأتي أهميته من أنه أول من تناول بالبحث المسهب بعض المسائل التي عرفت في علم أصول النحو معتمدا على أوليات قام بها أبو الحسن الأخفش ومن قبله الخليل وسيبويه، ويعد وصف السيوطي لعمل ابن جني في الأصول أصدق الأوصاف حيث يذكر أنه «وضعه في هذا المعنى وسماه أصول النحو لكن أكثره خارج عن هذا المعنى، وليس مرتبا، وفيه الغث والسمين


(١) ابن مضاء القرطبي: الرد على النحاة ص ١٥١.
(٢) الاقتراح ص ٤٧، ٤٨.
(٣) د. سيد خليل: مصر في تاريخ النحو، مقال بمجلة كلية الآداب مجلد ١٣ ص ٦٧.

<<  <   >  >>