ومن الطبيعي أن تكون أولية التأليف غير متكاملة وغير متناسقة، وهذا شأن جميع العلوم فلا عجب أن يختلف متناولو أصول النحو بعد ابن جني عنه، ويكتسب حديثهم نوعا من التقسيم والتنظيم الذي نلاحظه دائما في تدرج العلوم ونموها حيث تتدرج الملاحظات شيئا فشيئا لتأخذ شكل القوانين أو الأصول الثابتة المقررة، وتستقر للعلم بعض المصطلحات ويتحدد معناها.
فإذا ما نظرنا في صنيع ابن الأنباري (٥٧٧ هـ) ولا نعرف من تكلم بعد ابن جني في أصول النحو قبله وجدنا ذلك العلم قد أخذ يستقر شيئا من الاستقرار، وقد حمل ابن الأنباري النحو وأصوله على الفقه وأصوله، فتأثر بصنيع الفقهاء والأصوليين، وحاول تطبيق ذلك في اللغة، فإذا كانت هناك مسائل في الخلاف معروفة بين الفقهاء فإن ما يناظرها في البيئة النحوية هو مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين التي رتبها مؤلفها على نمط المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة، وهذه محاولة لا نشاء فن الخلاف في النحو كما هو معروف لدى الفقهاء، كما تأثر ابن الأنباري أيضا بعلمي الكلام والفقه في وضع فن «الجدل» الاعرابي في كتابه الاغراب في جدل الاعراب، وبعض مسائله تتصل بمباحث أصول النحو.
أما علم أصول النحو فقد ترك ابن الأنباري فيه كتابه «لمع الأدلة» الذي حاول فيه وضع الأصول النحوية على نمط الأصول الفقهية، بيد أنه قد تكلم بايجاز شديد في جميع موضوعات أصول النحو، وقد قسم كتابه تقسيما أكثر ملاءمة للأصول، وأكثر مشابهة لتقسيمات أصول الفقه مما وجدناه عند ابن جني، وقد جعل كتابه في ثلاثين فصلا، ولا يهولنك ذلك فأغلب هذه الفصول لا يتجاوز صفحة واحدة وكان يحسن به أن يسميها مسائل بدلا من تسميتها بالفصول، وقد تناول في هذه الأقسام تعريف أصول النحو فحده بأنه «أدلة النحو التي تفرعت منها فروعه وأصوله، كما أن أصول الفقه أدلة الفقه التي