للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنوعت عنها جملته وتفصيله» «١»، كما بين فائدته، ثم قسم هذه الأدلة إلى أقسام ثلاثة هي النقل والقياس واستصحاب الحال، وتناول النقل وتقسيمه إلى متواتر وآحاد وشروط كل منهما، وما يتصل بنقد الرواية وعدالة الرواة، ثم انتقل إلى الحديث عن القياس في الفصل العاشر واحتج لثبوته في النحو، وسنتبين أن كثيرا من الحديث عن القياس إنما هو حديث نظري عقلي مستمد من الفقه وأصوله بعيد عن اللغة وطبيعتها ومقتضياتها، ثم تناول أقسام القياس وهي أقسام شابهت أقسام القياس الفقهي، ولم تحك الواقع اللغوي، ثم تحدث عن العلة وشروطها وجواز التعليل بعلتين وأمثال هذه المسائل التي نجدها عند الأصوليين، ثم تناول وجوه الاستدلال فذكر الاستدلال

بالتقسيم والاستدلال الأولى والاستدلال ببيان العلة ثم تحدث عن الاستحسان وتعارض الأدلة، واستصحاب الحال، والاستدلال بعدم الدليل.

ونلاحظ على تقسيمات ابن الأنباري أنها مستقاة مما وصل إليه علم الأصول الفقهي في عهده حيث تميزت هذه الأقسام، واتضحت وأفاض في الحديث عنها الأصوليون، وقد حاول ابن الأنباري نقلها من البيئة الفقهية إلى البيئة النحوية، فأفلح في كثير من الجوانب، وتعسف وأخفق في جوانب غير قليلة حيث بدت بحوثه غير معبرة عن الواقع اللغوي وغير مستقاة من المسلك النحوي الأصيل الذي اختطه أئمة النحو واللغة وسلكوه في العصر الأول، وحينئذ فإنها لا تعدو أن تكون حديثا نظريا عقليا يعتمد على منطق ذهني مجرّد بعيد عن اللغة.

وأتى السيوطي ورأى انصراف القوم- في عصره- عن أصول النحو والتأليف فيه، كما أنه لم يسبقه على مدى قرون طويلة غير هذين الرجلين اللذين لم يتمكنا من إرساء بناء قوى لعلم أصول النحو يكون بالنسبة للنحو كأصول الفقه بالنسبة للفقه، وكل ما أثر عن غيرهما إنما هو شذرات متناثرة وعبارات مقتضبة في ثنايا كتب اللغة والنحو والأدب. وقد نظر السيوطي في صنيع القوم قبله وحاول الافادة منه بما يناسب علم الأصول نافيا عنه ما هو خارج عنه، ويصف عمله وصفا دقيقا بقوله: «واعلم أني قد استمددت في هذا الكتاب كثيرا من


(١) لمع الأدلة في أصول النحو ص ٨٠.

<<  <   >  >>