للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما أن الأعراب الذين سمعوا منهم متهمون في نظر البصريين، يضاف إلى ذلك أنهم وقفوا على قدر أكبر من المادة اللغوية لما عرف عنهم من عنايتهم القديمة برواية الأشعار فهم كما وصفوا «أوسع رواية» «١». كما أنهم كانوا أكثر عناية بالقراءات القرآنية وربما كان ذلك سببا في كونهم أكثر توسّعا في القياس.

٢ - أنهم أكثر توسعا في القياس وإباحة له، ولذلك فهم يقيسون على القليل وعلى ما يعده البصريون شاذا لا يجوز القياس عليه، قال الأندلسي: «الكوفيون لو سمعوا بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا، وبوبوا عليه بخلاف البصريين» «٢».

٣ - أنهم يعولون أكثر من البصريين على قياس التمثيل وهو القياس على ما لم يرد به نقل كإجازتهم «قام زيد لكن عمرو» مع أنه لم يرد به نقل قياسا على ما ورد في باب آخر وهو «بل» من نحو «قام زيد بل عمرو»، وقد منع البصريون ذلك «٣».

تلك أهم الخصائص التي ميزت كل مدرسة عن صاحبتها، ويتضح منها أن الاختلاف بين المدرستين ينحصر في كمية الاستقراء، وكمية المادة اللغوية، ثم في قبول هذه المادة تبعا لاعتبارات نقد الرواية، ثم الاختلاف في المذهب النحوي القياسي الذي يبيح القياس على القليل أو لا يرضى إلا بالكثير المستفيض، ويتضح من ذلك أن عقلية البصريين أكثر جنوحا إلى التنظيم وطرد الأقيسة.

وقد عللت كلتا المدرستين ما استنبطته من أقيسة نحوية. وخالفت به المدرسة الأخرى بعلل عقلية ونقلية تدل في كثير من الأحيان على فهم عميق للأسرار اللغوية والتركيبية لا سيما ما نراه من هذه العلل في كتاب سيبويه قبل أن يتعقد التعليل وتتشعب به السبل، أي عند ما كان موصول الأسباب باللغة وظواهرها وخصائصها غير مشترط في التجريد العقلي.


(١) الاقتراح ص ٨٤.
(٢) الاقتراح ص ٨٤.
(٣) همع الهوامع ج ٢ ص ١٣٧.

<<  <   >  >>