كتاب «النكت» الذي وضعه السيوطي استجابة لهذا الاتجاه، بيد أن السيوطي قد ظهرت شخصيته الواعية وعقليته النحوية المحددة في هذا الكتاب إلى أكبر حد.
ولم يكتف السيوطي بأن يعكف على دراسة كتب المتأخرين من الأندلسيين والمصريين، وينتقدها أو يشرحها، ولكنه أراد- كما هو شأن العصر- أن يصنف في النحو موسوعة تشمل جميع أبوابه ومباحثه، وقد فعل ذلك بنجاح في كتاب «جمع الجوامع» الذي شرحه «بهمع الهوامع»، ومصنفات السيوطي التي عرضنا لها آنفا تبين لنا جهوده الخصبة والوفيرة في الدرس النحوي.
على أن هذه الكتب تمثل بحق ذلك العصر الذي عنى بالجمع والترتيب والتنسيق، وتنويع المصنفات ما بين مختصر ومطول ومتن وشرح ومنظوم ومنثور وموشح. ولكن ذلك لا يعني انصراف عنايته إلى النواحي الشكلية دون المضمون، ولا يغض ذلك منه نحويا كبيرا عرفته البيئة المصرية، وأسهم بدور كبير في العمل النحوي.
والحقيقة أنه إنصافا لهؤلاء النحاة ينبغي أن نقول إن النحويين جميعا بعد الخليل وسيبويه لم يكن إبداعهم وابتكارهم إلا في حدود ضيقة إذا ما قورنت بصنيع الرجلين من قبل، ويمكن أن نقول: إن النحاة جميعا بعد مدرستي الكوفة والبصرة قد قلت لديهم الابتكارات النحوية وأصبحت مذاهبهم في غالبها ترجيحا لآراء احدى المدرستين السالفتين، ومع ذلك فلا يمنع هذا من تناول كل منهم منفردا لبيان مقدار جهوده واستيضاح منهجه والوقوف على اجتهاداته.
ويتميز السيوطي بتقصي الموضوعات النحوية التي يعرض لها، ومحاولة استيفاء جزئياتها والاستدراك على النحاة بعض ما فاتهم، كما أنه في منهجه يتبع ما تميزت به المدرسة المصرية في التخير من آراء المدارس السابقة مع شيء من التغليب لمذاهب الأندلسيين، ويتخير من آراء النحاة السابقين عموما ما تتجه علله، وتستبين براهينه، ومن حين إلى آخر نظفر بآراء خاصة له أو مفاهيم جديدة تجاه بعض المسائل.