للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيوخهم يمدون الأسمطة الحافلة وينفقون أموال الأوقاف في غير وجوهها.

ويبدو أن انتشار الفقر وسوء الأحوال الاجتماعية الذي سبق الاشارة إليه قد حدا بكثير من الناس إلى أن ينتظموا في سلك الصوفية عن غير استعداد حقيقي الأمر الذي جعل هذه المنشآت الصوفية تضم كثيرا من الدخلاء والأدعياء «١».

ولما رأى السيوطي حين توليه مشيخة البيبرسية ما آل إليه أمر هؤلاء قطع اعطاء بعضهم ورأى أنه لا حق لهم فيه وهم لا يتخلقون بأخلاق الأولياء و «من يأكل المعلوم بغير تخلق بأخلاقهم حرام» «٢»، فثار ثائرهم عليه وكادوا يقتلونه ثم حملوه بأثوابه ورموه في الفسقية وشكوه إلى الأمير طومان باي الذي كان مبغضا له «٣».

وقد كان لكبار المتصوفة في هذه الفترة مكانة كبيرة في المجتمع، ولم تحجب الظلال المنفرة التي خلقها وجود الأدعياء في صفوفهم من أن يبقى للصوفية مكانة مرموقة مبجلة في المجتمع، وهناك عديد من الأمثلة التي تدل على تلك المكانة التي تبوأها الصوفية منها أن السلطان قايتباي قبّل قدمي رجل اعتقد أنه الشيخ عبد القادر الدشطوطي وشكا إليه ما بينه وبين ابن عثمان سلطان العثمانيين «٤»، وقد ذكر الشعراني عن الشيخ أبي السعود الجارحي المتوفي سنة نيف وثلاثين وتسعمائة أنه كان له «القبول التام عند الخاص والعام والملوك والوزراء وكانوا يحضرون بين يديه خاضعين وعملوا بأيديهم في عمارة زاويته في حمل الطوب والطين» «٥»، وذكر عن غيره أنه كان «كثير الشفاعات عند السلطان والأمراء» «٦». وقد بلغ من نفوذ أبي السعود الجارحي بالبلاد أنه بعد موت الغوري اختار الأمراء طومان باي ليلي السلطنة فامتنع بسبب قلة الأموال ولا


(١) د. سعيد عاشور: المجتمع المصري ص ١٧٤، ١٧٥.
(٢) الشعراني: ذيل الطبقات الكبرى ورقة ٢١.
(٣) ابن إياس: بدائع الزهور ج ٢ ص ٣٣٩، شعبان سنة ٩٠٣ هـ.
(٤) المصدر السابق، ج ٢ ص ٢٥٦.
(٥) الشعراني: لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ج ٢ ص ١٠٤.
(٦) المصدر السابق ترجمة الشيخ تاج الدين الذاكر المتوفي سنة نيف وعشرين وتسعمائة ج ٢ ص ١٠٣.

<<  <   >  >>