للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كثرة هذه الدور التي كانت بمثابة معاهد علمية عالية الشأن، وثمة ملاحظة ثالثة يمكن إدراكها وهي أن شهرة العالم ومواهبه كانت تجعله أهلا لأن يجمع في يده أكثر من وظيفة واحدة فنراه يلي مشيخة مدرسة ما ويدرس إحدى مواد الدراسة بغيرها، ويختلف إلى أحد الجوامع لإلقاء بعض الدروس ونحو ذلك.

كما نرى منهم من ولى التدريس بالجامع الطولوني والجامع الحاكمي ومدرسة السلطان حسن والشيخونية والجمالية والمؤيدية والأشرفية وغيرها «١»، ونرى عالما كبيرا طبقت شهرته الآفاق كابن حجر تسند إليه وظائف تدريس الحديث بالشيخونية وبجامع القلعة وبالجمالية والبيبرسية، ويسند إليه تدريس الفقه بالمؤيدية والشيخونية إلى غير ذلك من وظائف القضاء التي تولاها.

وفيما أوردنا دليل على كثرة معاهد الدرس وتنوعها والعناية العظيمة التي لقيتها في هذا العهد، كما كانت وظائف التدريس بمكانتها المرموقة في المجتمع حافزا للعلماء على الإجادة والاجتهاد في علومهم فضلا عن الحوافز الدينية المخلصة التي وجدت عند كثيرين منهم والتي دفعتهم إلى الانتاج في العلوم الدينية واللغوية حسبة لله ورغبة في ثوابه فلا عجب أن تقوى الحركة العلمية في ذلك العصر وأن تبلغ أوج ازدهارها في أواخره أي في الفترة التي عاش فيها الجلال السيوطي، حيث شهدت هذه الحقبة من الزمن عددا ضخما من العلماء في كل فن.

بالاضافة إلى ما سبق كانت هناك عوامل عديدة سبقت الاشارة إلى بعضها ضمنا وإلى بعضها تصريحا، ساعدت هذه العوامل على نشاط الحركة الثقافية وازدهارها أولها انتقال النشاط العلمي إلى القاهرة بعد سقوط بغداد، وقد بينا من قبل مكانة القاهرة في العالم الاسلامي بعد سقوط الخلافة في بغداد وانتقالها إلى القاهرة، وكان لما قام به التتر من تخريب بغداد وتبديد الكتب الاسلامية وإلقائها في دجلة وقتل كثير من العلماء أثره البالغ في نفوس علماء عصر المماليك بصفة عامة إذ شعر هؤلاء بأن عليهم تبعة كبيرة ورأوا أنفسهم مسئولين أمام الله


(١) السيوطي: نظم العقيان في أعيان الأعيان ترجمة عز الدين العسقلاني ص ٣١.

<<  <   >  >>