تعالى عن دينه وأمام التاريخ وأمام ضمائرهم عن إنهاض العلم وإقالة عثاره وجمع ما تفرق منه فدفعهم هذا الشعور إلى الجد في العمل والتحصيل، وكان لهذا الشعور نفسه أثر في ظاهرة شاعت في مؤلفات ذلك العصر وهي ظاهرة الموسوعات العلمية.
وقد اجتذبت البيئة المصرية وعاصمتها القاهرة بما لها من مكانة إسلامية وحضارة مزدهرة وما بها من تشجيع للعلم وأهله كثيرا من العلماء والطلاب الذين هوت أفئدتهم إليها من مختلف بلدان العالم الاسلامي، وقد ظل وفود هؤلاء العلماء إلى مصر مستمرا طيلة عصر المماليك، ومن هؤلاء ابن مالك الأندلسي وابن أبي حجلة المغربي، وابن خلدون وكثيرون غيرهم ممن وفدوا على البلاد وازدهرت بهم الحياة العلمية بها. وقد وصف ابن خلدون نشاط الحركة العلمية بالقاهرة وعلل هذه الظاهرة تعليلا دقيقا فقال:«ونحن لهذا العهد نرى أن العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة من بلاد مصر لما أن عمرانها مستبحر، وحضارتها مستحكمة منذ آلاف من السنين، فاستحكمت فيها الصنائع وتفننت، ومن جملتها تعلم العلم، وأكد ذلك وحفظه ما وقع لهذه العصور بها منذ مائتين من السنين في دولة الترك من أيام صلاح الدين بن أيوب وهلم جرا وذلك أن أمراء الترك في دولتهم يخشون عادية سلطانهم على من يتخلفونه من ذريتهم لما له عليهم من الرق أو الولاء، ولما يخشى من معاطب الملك
ونكباته، فاستكثروا من بناء المدارس والزوايا والربط، ووقفوا عليها الأوقاف المغلة يجعلون فيها شركا لولدهم بنظر عليها، أو نصيب منها، مع ما فيهم غالبا من الجنوح إلى الخير، والتماس الأجور في المقاصد والأفعال، فكثرت الأوقاف لذلك، وعظمت الغلات والفوائد وكثر طلب العلم ومعلمه، بكثرة جرايتهم، وارتحل إليها الناس في طلب العلم من العراق والمغرب، ونفقت بها أسواق العلوم، وزخرت بحارها، والله يخلق ما يشاء» «١».
ولئن كان هذا الوصف الدقيق صادقا على القرن الثامن الهجري الذي عاش