فيه ابن خلدون فلقد كان القرن التاسع الهجري الذي عاش فيه السيوطي وارثا لحضارة القرن السابق عليه مع ما فيه من زيادة عليه ما يعطي صورة للحركة الثقافية المزدهرة في تلك الأيام.
ولا ننسى ما كان لتشجيع السلطان والأمراء من أثر في ازدهار الحياة العلمية فقد حرص ولاة الأمر على إظهار غيرتهم على الاسلام والمسلمين في كثير من الأحيان، كما شجع كثير منهم العلماء وأغدق عليهم وأقام لهم المدارس والخوانق والمساجد، كما وجد العلماء- كما سبق أن أشرنا في الحديث عن طبقات المجتمع- كثيرا من مظاهر التكريم والحفاوة وكان لهم كلمة مسموعة بالبلاد، وقد تولوا كثيرا من المناصب الهامة بالدولة لا سيما مناصب القضاء ودواوين الانشاء والتدريس.
كما أن إنشاء دور الكتب الجديدة التي ألحقت بالمدارس والمساجد والخوانق كان له أثره في نشاط الحركة العلمية، فقلّ أن تجد دارا للعلم لا يلحق بها خزانة للكتب.
وقد عني السلاطين والأمراء ومنشئو المدارس باختيار مدرسيها من بين العلماء الأفذاذ المعروفين في عصرهم، ولذلك فقد كانت وظائف التدريس في المدارس المشهورة محتفظة- في الغالب- بمكانتها العالية في المجتمع.
وقد كان لتنافس العلماء في سبيل بلوغ المناصب الهامة المتاحة لهم أثره المباشر في نشاط الحركة العلمية، إذ كان على كل طامح إلى أحد المناصب أن يسعى إلى مطمحه من ناحية العلم أولا، فكان عليه أن يتتلمذ وينتقل من شيخ إلى شيخ وأن يدأب على الدرس والمطالعة والحفظ، وأن يلم بشتات من علوم عدة، ثم عليه أن يتصدى للتدريس والفتيا بعد ذلك وأن يتصدى للنفع العام بعلمه فإذا ذاع صيته وكثر ذكره دعي من قبل الملوك والأمراء إلى تولي المناصب الكبيرة، وإذا لم يدع فإن من اليسير عليه أن يسعى لديهم بواسطة أحد أولئك الأمراء أو الأعيان في سبيل بلوغ حاجته.
وهكذا نشطت الحركة العلمية في العصر الذي نتحدث عنه، وكان لنشاطها