للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن هناك أمرا لا ينبغي أن نغفله وهو التجديد في التصنيف والتبويب في العلوم، فليس هذا عملا شكليا بحتا كما قد يتوهم لأول وهلة، بل إنه عمل تمليه عقلية علمية لها صفات تميزها عن غيرها، وتتجه بها وجهة فريدة في نوعها، بالاضافة إلى ما نجده لأصحاب هذه الكتب من الأفكار المبتكرة بين حين وآخر، وسنشير إلى ذلك في حديثنا عن مؤلفات السيوطي، ومهما يكن من شيء فإن هذه المؤلفات بطريقة وضعها تدل على مقدرة علمية كبيرة، وقدرة على الفهم والتحصيل عميقة، كما تدل في أحيان كثيرة على المقدرة الفائقة على تمثل أفكار السابقين واستيعابها وإخراجها في صورة جديدة. وليس من الانصاف أن نصف هذه الكتب بالتقليد والجمع دون تمحيص ونرمي أصحابها بأنهم محتطبون جماعون ليس لهم من الجهد العقلي شيء إذ تبدو كتبهم خالية من الابتكار، ذلك أن وضع هذه الكتب على محك النقد الصحيح الذي يضع في اعتباره الحقائق العلمية في المرتبة الأولى، ثم حالة العصر العقلية ومنهجه في التأليف في المرتبة الثانية، يجعلنا نعيد النظر فيما يلصق بهذه المؤلفات وأصحابها من اتهامات. لقد كان تأثر التأليف بروح الحفظ التي شاعت في العصر والتي تأثرت بحفظ الحديث، ثم تأثر المؤلفون بمنهج المحدّثين في النقل ذا أثر كبير في أن تعج المؤلفات بروايات عديدة وأسانيد تملأ أرجاءها بحيث يبدو كثير من المؤلفات مجموعات من النقول حشد كل منها إلى جوار الآخر.

ولقد كان من الميسور على كثير من المؤلفين أو على بعضهم- إذا لم يقدروا الأمانة العلمية ويتبعوا المنهج العلمي الصحيح- أن يرسلوا القول فيما يؤلفون دون إشارة إلى من ينقلون عنه مع تغيير في العبارة حتى يتوهم القارئ أن هذه الأفكار لمن يقرأ لهم لا لمن ينقلون عنه ولن يتنبه لحقيقة الأمر إلا قلة من الممحصين، فلا ينبغي أن يكون الحرص على الأمانة في النقل دافعا لأن نصف هذه الكتب من قبلنا بخلوها من الابتكار، وبانصرافها إلى الجمع والترتيب دون تمحيص لما ينقلون، وإنما المنصف من القول أن نذكر ما عليه أصحابها من مقدرة علمية كبيرة على التمثل والتحصيل والتنسيق في العلوم، ثم ما لهم من فضل في حفظ كثير من الأفكار والنقول منسوبة إلى أصحابها الأوائل، ثم نتتبع بعد ذلك ما ذكروه من حقائق علمية نقلوها عن غيرهم، فما أقروهم عليه منه

<<  <   >  >>