للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهوي فصار العلم مكاناً للتوحيد فتمكن الموحد في التوحيد على قدر المكان، وقد قال اللَّه تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إلهَ إلا اللَّه) محمد: ١٩ وقال تعالى: (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه وأنْ لاَ إلَه إلاَ هوَ) هود: ١٤ فقدم العلم علي التوحيد فصار أوّله فكلما اتسع القلب بالعلم باللَّه وزهد في الدنيا ازداد إيماناً وعلا لأنه يرى في علوّه ما لا يراه غيره ويعلم في اتساعه ما لا يعلمه سواه فيكبر المؤمن فيكون ذلك مزيد إيمانه وقوته ثم يشهد كل ما آمن به فيكون بذلك قوة نفسه وسعة مشاهدته وكلما قصر علم القلب باللَّه تعالى وبمعاني صفاته وأحكام ملكوته قلّ إيمان هذا العبد ثم أشهد ما آمن به من وراء حجاب لما غلب عليه من حب الأسباب وسمع الكلام من خلف ستر لعجزه عن المسارعة إلى البر فيضعف بذلك إيمانه ويتخيل مشاهدته ولا يتحقق فليس من علم من صفات اللَّه سبحانه وتعالى وقدرة آياته مائة ألف معنى ثم شهدها كلها من قرب عن كشف مثل من علم منها عشرة معانٍ ثم شهدها من بعد عن حجاب وهما مؤمنات معاً لكن بين إيمانهما في القرب والعلّو والزيادة والنقصان كما بين العشرة إلى مائة ألف فيكون إيمان قلب المسلم معشار معشار عشر إيمان قلب الموقن والمعشار هو عشر العشر جزء من مائة جزء ويكون إيمان قلب المؤمن فيما بين ذلك من الزيادة على العشر والنقصان من مائة ألف على قدر قسمه.

ومثل ذلك فيما نعقله مثل رجل قال لك: إن عندي فلاناً فقد حصل لك علم زنه عنده غير زن هذا العلم غير يقين لأنه يجوز أن يكون قد اشتبه عليه أو يكون قد كان عنده ثم خرج وليس هو الآن عنده وهذا مثل إيمان المسلم هو على علم خبر لا خبر، ثم إنك تأتي إليّ فتسمع كلامه من وراء حجاب فقد علمت الآن أنه عندي لأنك سمعت كلامه واستدللت به على كونه، إلا أن هذا العلم أيضاً غير تحقيق لأن الأصوات تشتبه والأجرام تتقارب، ولو قلت لك بعد ذلك: لم يكن عندي وإنما كان ذلك غيره أشبه صوته تشككت فيه لاحتمال ذلك ولم يكن عندك يقين عين تدفع به قولي ولا شهادة نظر تنكر بها عليّ وهذا مثل لإيمان عموم المؤمنين فهو إيمان خبر لعمري وفيه يقين استدلال ممتزج بظنه إلا أنه غير مشاهدة العارفين لأنه قد يدخل عليهم التخييل والتشبيه فلا يدفعونه بشهادة يقين ثم إنك تدخل إلى الآن بعد أن قيل لك هو عندي أو بعد أن سمعت كلامه فتشهده جالساً لا حجاب بينك وبينه، فهذا هو يقين المعرفة وهذه شهادة الموقن وعندها انتفى كل شك وتحقق خبر العلم وهذا مثل لعلم إيمان الموقنين الذي قد اندرج فيه إيمان عموم المؤمنين من علم الخبر المحتمل ومن سماع الكلام المشتبه من وراء حجاب واسم الإيمان واقع على جميعهم ولكن الأوّل علم أنه عندي بما قيل له فصدق والثاني علم بما سمع فاستدل ولم يشهد فيقطع والثالث هو الذي عاين فقطع وقد شهد له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمزيد فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>