رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس الخبر كالمعاينة وقال: وليس المخبر كالمعاين، ومثل هذا أيضاً أن ترى الشيء بالنهار فتعرفه معرفة عين وتعرف مكانه بنظر لا تخطئه ثم إنّك تحتاج إليه ليلاً فلست تعرف مكانه رأي عين وإنما تقصده بمعرفة استدلال عليه وبحسن ظن أنه موجود على حاله أو يعرف بشيء معهود أنه لا يتحول، وكذلك الأدلة هي الغائبات وسقوطها مع المشاهدات وبمعناها رؤية الشيء بنور القمر فإنه يشبح ويلوح المشكلات ورؤيته في ضياء الشمس فإنها تكشف الأمر على ما هو به، فهذا مثل نور اليقين إلى نور الإيمان ومثل رابع في تفاوت المؤمنين في حقيقة الكمال ودخولهم في الاسم والمعنى مثل صلاة رباعية أقيمت فجاء رجل فأدرك تكبيرة الإحرام ثم جاء آخر فأدرك الركوع ثم جاء آخر فأدرك الركعة الثانية ثم جاء ثالث فأدرك الركعة الثالثة ثم جاء رجل رابع فأدرك الركعة الآخرة فكلهم قد صلوا وأدركوا الصلاة في جماعة ونال فضلها لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة، ولكن ليس من أدرك الركعة الأولى في كمال الصلاة وإدراك حقيقتها كمن أدرك الثالثة والرابعة ولا يكون أيضاً من أدرك التكبيرة للإحرام في الفضل كمن لم يدرك شيئاً من القيام وهما مدركان معاً فكذلك المؤمنون في كمال الإيمان وحقائقه لا يستوون وإن استووا في الاسم والمعنى وكذلك في تفاوتهم في الآخرة.
فقد جاء في الخبر أنه يقال: أخرجوا من قلبه مثقال ذرة من إيمان ونصف مثقال وربع مثقال وشعيرة وذرة من إيمان فقد حصلوا متفاوتين في الإيمان ما بين الذرة إلى المثقال وكلهم قد دخل النار إلا أنهم على مقامات فيها وفيه دليل أن من كان في قلبه وزن دينار من إيمان لم يمنعه ذلك من دخول النار لعظم ما اقترف من الأوزار وأن من كان في قلبه وزن ذرة من إيمان لم يحق عليه الخلود في دار الهوان لتعلقه بيسير الإيقان وأن من زاد إيمانه على وزن دينار لم يكن للنار عليه سلطان فكان من الأبرار وأن من نقص إيمانه عن ذرة لم يخرج من النار وإن كانت سيماه واسمه في الظاهر في المؤمنين لأنه في علم الله من المنافقين الفجار، وقد قال اللَّه تعالى في وصفهم:(وَإنَّ الٌفُجَّارَ لَفِيَ جَحيم) الانفطار: ١٤ ثم قال: (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبينَ) الانفطار: ١٦ ثم صار صاحب المثقال والذرة في الجنة على تفاوت درجات وكان الزائد إيمانه على مثقال في أعلى عليين علا هؤلاء وترفع أهل الدرجات العلى على أهل عليين ارتفاع الكوكب الذي في أفق السماء وكلهم قد اجتمع في الجنة على تفاوت مقامات وتعالي درجات، وروينا عن رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس شيء خيراً من ألف مثله إلا الإنسان فلعمري إن قلب المؤقن خير من ألف قلب مسلم لأن إيمانه فوق مائة إيمان مؤمن وعلمه باللَّه تعالى أضعاف علم مائة مسلم، ويقال إن واحداً من الأبدال الثلاثمائة قيمته قيمة ثلاثمائة مؤمن، وكان أبو محمد يقول: يعطي اللَّه تعالى بعض المؤمنين من الإيمان بوزن جبل أحد ويعطي