بعضهم مثل ذرة، وقد قال الَّله تعالى:(وَأنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إنٌ كُنْتُمْ مَؤْمِنينَ) آل عمران: ١٣٩، بالعلو ولا نهاية لعلو الإيمان فصار علوّ كل قلب على قدر إيمانه ولذلك رفع العلماء على المؤمنين درجات في قوله تعالى:(يرفع اللَّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) ، ففسرها ابن عباس رضي اللَّه عنه فقال:(الَّذينَ أُوتوا العِلْمَ) الروم: ٥٦ فوق المؤمنين بسبعمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، وفي الخبر: أكثر أهل الجنة البله وعليون لأولي الألباب، وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.
وروينا في لفظ أبلغ من هذا كفضلي على أمتي، فالموقنون من المؤمنين أعلى إيماناً والعالمون من الموقنين أرفع مقاماً ثم على قدر بياض الماء يستبين من القنديل حسنه وصفاؤه ومثل هذا العقل في صحته من الإعتلال وصفائه من كدر الأحوال والأموال ويجمع ذلك كله القنديل وهو القلب، فعلى قدر رقة القلب ولطف جوهره وصفائه من كدره وحسن طهارته عن الآثار تكون هذه العلوم فيه والأنوار وجوهر الزجاجة في الصفاء محتاج إلى صفاء الماء كما أن صفاء الماء محتاج إلى صفاء الجوهر وبمعيارهما يكون القلب والعقل ووقود النور محتاج إلى قوّة الفتيلة ومدد الزيت فبموضعها في القوّة والمدد يكون العلم باللَّه تعالى واليقين ذلك تقدير العزيز العليم وكل قلب اجتمع فيه ثلاثة معان لم يفارقه خواطر الهوى الجهل والطمع وحب الدنيا ثم يضعف خاطر الهوى ويقوى على قدر تمكن هذه الثلاثة من النفس وحقائقها على مثل ماذكرناه من تمكن خواطر اليقين وضعفها لوجود مكانها وهو العلم والإيمان والعقل، وفي القلب يظهر سلطان ذلك أجمع فأي جند كانت المشيئة معه غلب، وروينا عن علي عليه السلام أن اللَّه فى أرضه آنية وهي القلوب فأحبها إليه أرقها وأصفاها وأصلبها، ثم فسره فقال: أصلبها في الدين وأصفاها في اليقين وأرقها على الإخوان فمثل القلوب مثل الأواني في تقارب جوهرها، فأرقها وأصفاها وأعلاها يصلح للملك والوجه والطيب، وأكثفها وأرداها يصلح للأدناس، وما بين ذلك يصلح لما بينهما، ومثلهما أيضاً مثل الموازين الطيار اللطيف والمعيار يصلح لوزن الذهب بالتحرير والمعيار والكثيف الجافي يصلح للقت والأنعام وما بينهما يصلح لما بين ذلك فيوزن بكل ميزان ما يصلح له من كل شيء موزون كما يجعل في كل إناء ما يليق به من كل شيء مرذول أو مصون، كذلك الحكم والحكمة في الملكوت الباطن كالحكمة والحكم في الملكوت الظاهر بتعديل الظاهر الباطن، وفي تفسير قوله عزّ وجلّ:(مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ في زُجَاجَة) النور: ٣٥، فسره أبيّ بن كعب قال: مثل نور المؤمن وكذلك كان يقرأه قال: فقلب المؤمن هو المشكاة فيها مصباح، فكلامه نور وعمله نور ويتقلب في نور، ثم قال في قوله تعالى:(أَوْ كَظُلُمَاتٍ في بَحْرٍ لُجِّيّ) النور: ٤٠ قال قلب المنافق فكلامه