من وراء ستر رقيق واللَّه إنه للحق يقذفه اللَّه تعالى في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم، وقال بعض العلماء: ظن المؤمن كهانة أي كأنه سحر من نفاذه وصحة وقوعه، وقال بعض العلماء: يد اللَّه تعالى على أفواه الحكماء لا ينطقون إلا بما هيأ اللَّه عزّ وجلّ لهم من الحق، وقال آخر: لو شئت لقلت إن اللَّه يطلع الخاشعين على بعض سره، وكتب عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى أمراء الأجناد: احفظوا ما تسمعون من المتعظين فإنهم ينجلي لهم أمور صادقة، وقال اللَّه تعالى:(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّه قيلاً) النساء: ٨٧: (يَا أىُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللَّه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) الأنفال: ٢٩ قيل نور تفرقون به بين الشبهات ويقين تفرقون به المشكلات، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى:(وَمَنْ يَتَّق اللَّّه يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق: ٢ قيل مخرجاً من كل أمر ضاق على الناس ويرزقه من حيث لا يحتسب يعلمه علماً بغير تعليم ويفطنه بغير تجربة أي بالشاهد الصحيح والحق الصريح، ومثله قوله تعالى:(وَالَّذينَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهدِيَنَّْهُم سُبُلَنَا) العنكبوت: ٦٩ قيل: الذين يعملون بما يعلمون، قال يوفقهم ويهديهم إلى ما لا يعلمون حتى يكونوا علماء حكماء، وقال بعض السلف: نزلت هذه الآية في المتعبدين المنقطعين إلى اللَّه سبحانه وتعالى المستوحشين من الناس فيسوق اللَّه تعالى إليهم من يعلمهم أو يلهمهم التوفيق والعصمة.
وفي الخبر: من علم بما يعلم أورثه اللَّه تعالى علم ما لم يعلم ووفقه فيمايعمل حتى يستوجب الجنة، ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار، فمعنى أورثه علم ما لم يعلم أي من علوم المعارف التي هي مواريث أعمال القلوب مثل الفرق بين الاختبار والاختيار والابتلاء والاجتباء والمثوبة والعقوبة ومعرفة النقص من المزيد والقبض والبسط والحل والعقد والجمع والتفرقة إلى غير ذلك من علوم العارفين بعد حس التفقه والأدب عن مشاهدة الرقيب والقرب لصحة المواجيد والقلوب، وقال بعض التابعين: من عمل بعشر ما يعلم علمه اللَّه تعالى ما يجهل، وقد قال حذيفة: أنتم اليوم في زمان من ترك عشر ما يعلم هلك وسيأتي بعدكم زمان من عمل بعشر ما يعلم نجا، وقال بعضهم: كلما ازداد العبدعبادةً واجتهاداً ازداد القلب قوّة ونشاطاً، وكلما ملّ العبد وفتر ازداد القلب ضعفاً ووهناً، وليس يكاد علم اليقين يقدح في معدن العقل لأن علوم العقل مخلوقات ولا يكاد ينتجه الفكر ولا يخرجه التدبر فما أنتجته الأفكار واستخرجته الفطرة من الخواطر والعلوم فتلك علوم العقل وهي كشوف المؤمنين ومحمودات لأهل الدين فأما خاطر اليقين فإنه يظهر من عين اليقين ينادي به العبد مناداة ويبغته مفاجأة لأنه مخصوص به مراد مقصود به محبوب متولى به مطلوب لا يجده إلا عارف أو خائف أو محبّ ومن سوى هؤلاء فبحاله محجوب وبعاداته مطلوب وإلى مقامه ناظر وفي طريقه بمعقوله سائر فأما العارفون المواجهون بعين اليقين المكاشفون بعلم الصديقين فإنهم مسيرون