للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس انصرفوا وكان أبو محمد سهل رحمه الله يجلس إليه خمسة أو ستة إلى العشرة وقال لي بعض الشيوخ: كان الجنيد رحمه الله يتكلم على بضع عشرة، قال وما تم أهل الجلسة عشرون، وقد حدثت عن أبي الحسن بن سالم شيخنا رحمه الله: أن قوماً اجتمعوا في مسجده فأرسلوا إليه بعضهم، إن إخوانك قد حضروا ويحبون لقاءك والسماع منك فإن رأيت أن تخرج إليه فذاك وكان المسجد على باب بيته، ولم يكن يدخل عليه في منزله فقال للرسول بعد أن خرج إليهم: من هم؟ فقال: فلان وفلان وسماهم فقال: ليس هؤلاء من أصحابي هؤلاء أصحاب المجلس ولم يخرج كأنه رآهم عموماً لا يصلحون لتخصيص علمه فلم يذهب وقته لوقتهم وكذلك العالم خلوته تعز عليه فإن وافق خصوص أصحاب آثرهم على خلوته فكان ذلك مزيداً لهم وإن هو لم يوافق لم يؤثر على خلوته غيره فيكون مناخاً للبطالين، وقد كان ابن سالم أبو الحسن يخرج إلى إخوانه ممن يراه موضعاً لعلمه فيجلس إليهم ويذاكرهم وربما أدخلهم إليه نهاراً أو ليلاً ولعمري أن المذاكرة تكون بين النظراء والمحادثة تكون مع الإخوان والجلوس للعلم يكون للأصحاب، والجواب عن السوال نصيب العموم، وكان عند أهل العلم أن علمهم مخصوص لا يصلح إلا للخصوص والخصوص قليل، ولم يكونوا ينطقون به إلا عند أهله ويرون أن ذلك من حقه وأنه واجب عليهم كما وصفهم علي كرم الله وجهه في قوله حتى يودعوه أمثالهم ويزرعوه في قلوب أشكالهم وكذلك جاءت الآثار بذلك عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن عيسى عليه السلام: لا تضيعوا الحكمة عند غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، كونوا كالطبيب الرفيق الذي يضع الدواء في موضع الداء، وفي لفظ آخر: من وضع الحكمة في غيرأهلها جهل ومن منعها أهلها ظلم، إن للحكمة حقاًً وإن له أهلاً وإن لأهلها حقا فأعط كل ذي حق حقه وفي حديث عيسى صلاة الله وسلامه عليه لا تعلقوا الجوهر في أعناق الخنازير فإن الحكمة خير من الجوهر ومن كرهها فهو شر من الخنزير، وكان بعض هذه الطائفة يقول: نصف هذا العلم سكوت ونصفه تدري أين تضعه.

وقد قال بعض العارفين: من كلّم الناس بمبلغ علمه وبمقدار عقله ولم يخاطبهم بقدر حدودهم فقد بخسهم حقهم ولم يقم بحق الله عزّ وجلّ فيهم وكان يحيى بن معاذ يقول: اغرف لكل واحد من نهره واسقه بكأسه ونحن نقول بمعناه كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان علمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلاوقع الإنكار لتفاوت المعيار، وحدثني بعض أشياخنا من هذه الطائفة عن أبي عمران وهو المزين الكبير المكي قال سمعته يقول لأبي بكر الكتابي وكان سمحاً بهذا العلم بذولاً له لجميع الفقراء فجعل أبو عمران يعاتبه وينهاه عن بذله له وكثرة كلامه فيه إلى أن قال: أنا منذ عشرين سنة أسأل

<<  <  ج: ص:  >  >>