للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى أن ينسيني هذا العلم قال: ولم؟ قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فسمعته يقول إن لكل شيء عن الله تعالى حرمة ومن أعظم الأشياء حرمة الحكمة، فمن وضعها في غير أهلها طالبه الله تعالى بحقها ومن طالبه خصمه وقد كان بعض السلف يقول: إذا استند الرجل إلى سارية أو أحب أن يسأل فلا تجلس إليه ولا ينبغي أن يسأل ولم ير في مجالس أهل هذا العلم فيما سلف ثلاثون رجلاً ولاعشرون إلا نادراً غير لزام ولا دوام إنما كانوا من الأربعة إلى العشرة وبضعة عشر، وقد كان يجتمع في مجالس القصاص والمذكرين والواعظين مئون من عهد الحسن إلى وقتنا هذا فهذا أيضاً من الفرق بينهما أن العلم مخصوص لقليل وأن القصص عام لكثير.

وقال بعض علمائنا: كان في البصرة مائة وعشرون متكلماً في الذكر والوعظ ولم يكن من يتكلم في علم المعرفة واليقين والمقامات والأحوال إلاستة منهم: أبو محمد سهل والصبيحي وعبد الرحيم، وقد قيل من لم ينتفع بسكوت العالم لم ينتفع بكلامه أي ينتغي أن يتأدب بصمته وخشوعه وورعه ويقتدي بيقينه في ذلك كما يتأدب بنطقه ويقتدى بكلامه على أنهم كانوا يقولون علم الظاهر من علم الملك وعلم الباطن من علم الملكوت يعنون أن ذلك من علم الدنيا لأنه يحتاج إليه في أمور الدنيا وهذا من علم الآخرة لأنه من زادها وهذا كما قالوه لأن اللسان ظاهر فهو من الملك وهو خزانة العلم الظاهر والقلب خزانة الملكوت وهو باب العلم الباطن فقد صار فضل العلم الباطن على الظاهر كفضل الملكوت على الملك وهو الملك الباطن الخفي وكفضل القلب على اللسان وهو الظاهر الجلي.

وقد كان بشر بن الحرث رحمه الله يقول: حدثنا وأخبرنا باب من أبواب الدنيا، وقال مرة: الحديث ليس من زاد الآخرة، وحدثنا بعض أشياخنا عن بعض أصحابه قال: دفنا له بضعة عشر ما بين قمطر وقوصرة كتباً لم يحدث منها بشيء إلا ما سمع منه نادراً في الفرد وكان رحمه الله تعالى يقول: إني أشتهي أن أحدث ولو ذهب عني شهوة الحديث لحدثت ثم قال: أنا أجاهد نفسي منذ أربعين سنة، وقال إذا سمعت الرجل يقول حدثنا وأخبرنا فإنما يقول أوسعوا إليّ وكان زاهداً عالماً وقال هو وغيره: إذا اشتهيت أن تحدث فلا تحدث وإذا لم تشته أن تحدث فحدث، وقد كانت رابعة العدوية رحمها الله تعالى قبله تقول للثوري رضي الله عنه: نعم الرجل سفيان لولا أنه يحب الحديث، وكانت تقول: فتنة الحديث أشد من فتنةالمال والولد وقالت مرة: لولا أنه يحب الدنيا يعني اجتماع الناس حوله للحديث،

<<  <  ج: ص:  >  >>