للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطالبين لها ولعدم الراغبين فيها وفقد العلماء بها وذهاب السالكين في طرقها منها طلب الحلال وعلم الورع في المكاسب والمعاملات وعلم الإخلاص وعلم آفات النفوس وفساد الأعمال وعلم نفاق العلم والعمل والفرق بين نفاق العلم والعمل والفرق بين نفاق القلب ونفاق النفس وبين إظهار النفس شهوتها واخفائها ذلك والفرق بين سكون القلب بالله وسكون النفس بالأسباب والفرق بين خواطر الروح والنفس وبين خاطر الإيمان واليقين والعقل وعلم خلائق الأحوال وأحوال طرائق العمال وتفاوت مشاهدات العارفين وتلوينات الشواهد على المريدين وعلم القبض والبسط والتحقيق بصفات العبودية والتخلق بأخلاق الربوبية وتباين مقامات العلماء إلى غير ذلك ممّا لا نذكره من علم التوحيد ومعرفة معاني الصفات وعلوم المكاشفة بتجلي الذات وإظهار الأفعال الدالة على معاني الصفات الباطنة وظهور المعاني الدالة على النظر والإعراض والتقريب والإبعاد والنقص والمزيد والمثوبة والعقوبة والاختباء والاختيار، وقد ذكرنا من جميع هذه المعاني فصولاً ورسمنا جملاً وأصولاً تنبه على فروعها وندل على أشكالها لمن وفق لتدبرها وأريد بتذكرها وجعل له نصيب منها.

وقال بعض علمائنا: أعرف للمتقدمين سبعين علماً كانوا يتحاورونها ويتعارفونها في هذا العلم لم يبق منها اليوم علم واحد يعرف، قال: وأعرف في زماننا هذا علوماً كثيرة من الأباطيل والدعاوى والغرور، وقد ظهرت وسميت علوماً لم تكن فيما مضى تعرف فهذا كالشراب الذي وصفه الله تعالى فقال: (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حتَّى إذا جاءَهُ لمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) النور: ٣٩، وكان الجنيد رحمه الله تعالى من قبله يقول: علمنا هذا الذي نتكلم فيه قد طوي بساطه منذ عشرين سنة وإنما نتكلم في حواشيه وكان يقول أيضاً قد كنت أجالس قوماً سنين يتحاورون في علوم لا أفهمها ولا أدري ما هي وما بليت بالإنكار قط كنت أتقبلها وأحبها من غير أن أعرفها وكان أيضاً يقول كنا نتجارى مع إخواننا قديماً في علوم كثيرة ما تعرف في وقتنا هذا ولا سألني عنها أحد، وهذا باب قد أغلق وردم، ولما صنف شيخنا أبو سعيد بن الأعرابي كتاب طبقات النساك ووصف أوّل من تكلم في هذا العلم وأظهره ثم من بعده من البصريين والشاميين وأهل خراسان إلى أن كان آخرهم البغداديين، وقال آخر: من تكلم في هذا صاحبنا جنيد القواريري وكانت له بصيرة فيه وحقيقة وحسن عبارة وما بقي بعده إلا من مجالسته غيظ، وقال مرة أخرى: ما بقي بعد جنيد إلا من يستحي من ذكره وقد كان إمامنا أبو محمد سهل رحمه الله يقول بعد سنة ثلاثمائة لا يحل أن يتكلم بعلمنا هذا لأنه يحدث قوم يتصنعون للخلق ويتزينون بالكلام لتكون مواجيدهم لباسهم وحليتهم كلامهم ومعبودهم بطونهم، وقد كان حذيفة رضي الله عنه إذا سئل أي الفتن أشد فقال: إن يعرض عليك الخير والشر فلا تدري أيهما تأخذ لكثرة الشبهات كما كان سهل يقول بعد سنة ثلاثمائة لا يصح لأحد توبة لأنه يفسد

<<  <  ج: ص:  >  >>