عليه أهل البلاء والفقر إلا بحقيقة الرضا والشكر، وقد جمع الله تعالى بين ما سرّ وضرّ وجعلهما من وصف المتّقين ومدحهم بالإحسان معهما فقال تعالى:(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ)(الَّذين يُنْفِقُونَ في السَّرَّاء والضَّرَّاء والْكاظِمينَ الْغيْظ والْعافينَ عََنِ النّاسِ والله يُحِبُّ الْمُحْسنينَ) آل عمران: ١٣٣ - ١٣٤، ومن الصبر كتمان المصائب والأوجاع وترك الاستراحة إلى الشكوى بهما فذلك هو الصبر الجميل قيل: هو الذي لا شكوى فيه ولا إظهار.
وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما: الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه: صبر على أداء الفرائض لله تعالى، وصبر عن محارم الله تعالى، وصبر في المصيبة عند الصدمة الأولى، فمن صبر على أداء فرائض الله تعالى فله ثلاثمائة درجة، ومن صبر على محارم الله تعالى فله ستمائة درجة، ومن صبر في المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة، وهذا يحتاج إلى تفسير، ولم يفضل ابن عباس الصبر على المصيبة لأنه أفضل من الصبر عن المحارم وعلى الفرائض بل لأن الصبر على ذينك من أحوال المسلمين والصبر على المصيبة من مقامات اليقين وإنما فضل المقام في اليقين على مقام الإسلام ومن ذلك ما روي من دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسألك من اليقين ما تهون به علي مصائب الدنيا، فأحسن الناس صبراً عند المصائب أكثرهم يقيناً وأكثر الناس جزعاً وسخطاً في المصائب أقلّهم يقيناً، ومثل هذا الخبر الذي رويناه عن سلمة بن وردان عن أنس بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ترك المراء وهو محقّ بني له بيت في أعلى الجنة، ومن ترك المراء وهو مبطل بني له في وسط الجنة، ومن ترك الكذب بني له في ربض الجنة، فقد علمت أن ترك الكذب وترك المراء مبطلاً أفرض وأوجب فينبغي أن يكون أفضل، ولكن المعنى فيه أن الكذب والمراء بالباطل يتركه المسلمون، فأما المراء والعبد محقّ صادق ثم لا يماري زهداً في التظاهر ورغبة في الصمت والسلامة فلا يصبر على هذا إلا الموقنون وهم خصوص المؤمنين، فمقامه من اليقين، والزهد وإيثار الخمول والصمت على الكلام والشهوة به أفضل وهو من اليقين فصار هذا المؤمن بمقامه أفضل من عموم المؤمنين الذين يتركون الكذب والمماراة وإن كانا أفرض وأوجب فهذا بيان ذلك معناه، ومن الصبر إخفاء أعمال البرّ ومنع النفس الفكاهة والتمتع بذكرها وإخفاء المعروف والصدقات فإن كتمه من الأدب مع السلامة في الإعلان وبرء الساحة في الإخبار ولكن إخفاؤه أفضل وأزكى وأحبّ إلى الله تعالى بل هي من كنوز البرّ أعني هذه الثلاثة إخفاء الأوجاع والمصائب والصدقة أي من الذخائر النفيسة عند تبارك وتعالى، ومن الصبر صون الفقر وإخفاؤه، والصبر على بلاء الله تعالى في طوارق الفاقات، وهذا حال الزاهدين الراضين وأفضل الصبر: الصبر على الله تعالى بالمجالسة له والإصغاء إليه وعكوف الهمّ وقوّة الوجد به، وهذا خصوص للمقربين أو حياءً منه أو حبًّا