والرجاء طريق العمال إلى مقام العاملين، وقد وصف الله عزّ وجلّ الراجين مع الأعمال الصالحة لقوة رجائهم بالخوف، تكملة لصدق الرجاء وتتمة لعظيم الغبطة به، فقال تعالى وتقدّس:(وَالّذينَ يُؤتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) المؤمنون: ٦٠ وقال عزّ وجلّ مخبراً عنهم في حال وفائهم وأعمال برّهم: (إنّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنا مُشْفِقينَ)(فَمَنَّ اللّّه عَلَيْنَا) الطور: ٢٦ - ٢٧ وقال عزّ وجلّ:(يُوفُون بِالَّنذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمَاً) الإنسان: ٧ من قبل أن الخوف مرتبط بالرجاء، فمن تحقق بالرجاء صارعه الخوف أن يقطع به دون ما رجا، وقال أهل العربية في معنى قوله تعالى:(قُلْ لِلَّذينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذينَ لا يَرْجُونَ أَيَّام الله)(الجاثية: ١٤ أي للذين لايخافون عقوبات الله تعالى، فإذا كان هذا أمره بالمغفرة لمن لا يرجو فكيف يكون غفره وفضله على من يرجو، وبعضهم يقول في معنى قوله تعالى: (وَيَرْجُونَ مِنَ الله ما لا يَرْجُونَ) النساء: ١٠٤ أي تخافون منه ما لا يخافون، فلولا أنهما عند العلماء كشيء واحد ما فسّر أحدهما بالآخر، ومن الرجاء الأنس بالله تعالى في الخلوات، ومن الأنس به الأنس بالعلماء والتقرّب من الأولياء، وارتفاع الوحشة بمجالسة أهل الخير، وسعة الصدر والروح عندهم، ومن الرجاء سقوط ثقل المعاونة على البّر والتقوى، لوجود حلاوة الأعمال والمسارعة إليها، والحثّ لأهلها عليها والحزن على فوتها والفرح بدركها، ومن ذلك الخبر المأثور من سرّته حسنته وساءته سيئته، فهو مؤمن، والخبر المأثور: خيار أمتي الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا لأن المؤمن على يقين من أمره وبصيرة من دينه، والخوف والرجاء وصف الموقن بالله تعالى فهو إذا عمل حسنة، أيقن بثوابها لصدق الوعد وكرم الموعد، وإذا عمل سيئة أيقن بالكراهة لها، وخاف المقت عليها لخوف الوعيد وعظمة المتوعد من قبل أن دخوله في الطاعة، دخول في محبة الله تعالى ومرضاته لما دلّ العلم عليه؛ فهذا رضا الله سبحانه وتعالى في الدنيا، فكيف لا يسرّه رضاه ومن قبل أن دخوله في المعصية دخول في غضب الله تعالى ومكارهه، بما دلّ العلم عليه فذلك الذي يسوءه لأن مقت الله تعالى اليوم معاصيه وسخطه غداً تعذيبه، ومن هذا قول الله عزّ وجلّ وهو أصدق القائلين:(يُنادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكبَر مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) غافر: ١٠ قال: لما نظروا إلى أنفسهم بتشويه خلقهم في النار مقتوها فنودوا لمقت الله في الدنيا على معاصيه أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم في العذاب، كما أن رضاه غداً تنعيمهم في جنته كذلك رضاه اليوم عملهم بطاعته ومرضاته؛ وهذا وصف عبد مراد مكاشف بعلم اليقين.
ومن هذا حديث زيد الخيل إذ قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جئتك أسألك عن علامة الله تعالى فيمن يريد وعلامته فيمن لا يريد فقال: كيف أصبحت فقال: أصبحت أحبّ الخير وأهله وإذا قدرت على شيء منه سارعت إليه وأيقنت بثوابه وإذا فاتني شيء منه حزنت عليه