وحننت إليه فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذه علامة الله تعالى فيمن يريد ولو أرادك للأخرى هيأك لها، ثم لم يبال في أي أوديتها هلكت، ومن الرجاء التلذذ بدوام حسن الإقبال والتنعّم بمناجاة ذي الجلال وحسن الإصغاء إلى محادثة القريب والتلطّف في التملق للحبيب وحسن الظنّ به في العفو الجميل ومنال الفضل الجزيل، وقال بعض العارفين: للتوحيد نور وللشرك نار، ونور التوحيد أحرق لسيئات المؤمن من نار الشرك لحسنات المشرك، ولما احتضر سليمان التيمي قال لابنه: يابني حدثني بالرخص واذكر لي الرجاء حتى ألقى الله تعالى على حسن الظنّ به، وكذلك لما حضر سفيان الثوري رضي الله عنه الوفاة جعل العلماء حوله يرجونه، وحدثنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال لابنه عند الموت: اذكر لي الأخبار التي فيها الرجاء وحسن الظنّ، فلولا أن الرجاء وحسن الظنّ من فواضل المقامات ما طلبه العلماء في آخر الأوقات عند فراق العمر ولقاء المولى لتكون الخاتمة به وهم يسألون الله حسن الخاتمة طول الحياة، ولذلك قيل: إن الخوف أفضل مادام حيّاً فإذا حضر الموت فالرجاء أفضل، وقد كان يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى يقول في مقامات الرجاء: إذا كان توحيد ساعة يحبط ذنوب خمسين سنة فتوحيد خمسين سنة ماذا سيصنع بالذنوب؟ وقال أبو محمد سهل رضي الله عنه: لا يصبح الخوف إلا لأهل الرجاء، وقال مرّة: العلماء مقطوعون إلا الخائفين، والخائفون مقطوعون إلا الراجين، وكان يجعل الرجاء مقاماً في المحبة وهو عند العلماء أوّل مقامات المحبة، ثم يعلو في الحبّ على قدر ارتفاعه في الرجاء وحسن الظن، وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث في الرجاء لا يصلح ذكرها لعموم الناس ولكن نذكر من ذلك ما ظهر خلق الله تعالى لجهنم من فضل رحمته سوطاً يسوق الله عزّ وجلّ به عباده إلى الجنة، وخبر آخر، يقول الله تعالى: إنما خلقت الخلق ليربحوا عليّ ولم أخلقهم لأربح عليهم، وفي حديث عطاء بن يسارعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ماخلق الله تعالى شيئاً إلا جعل له ما يغلبه وجعل رحمته تغلب غضبه، والخبر المشهور: إن الله تعالى كتب على نفسه قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي تغلب غضبي، والأخبار المشهورة عن معاذ بن جبل وأنس بن مالك رضي الله عنهما: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن كان آخركلامه قول: لا إله إلا الله لم تمسّه النار، ومن لقي الله تعالى لا يشرك به شيئاً حرمت عليه النار ولا يدخل النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان، وقد قال في خبر آخر: لو يعلم الكافر سعة رحمة الله تعالى ما أيس من رحمته أحد وقد قال تعالى في حسن عفوه عن أكبر الكبائر بعد ظهور الآيات: (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذلكَ) النساء: ١٥٣،