للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: (أَفَأمِنَ الَّذين مَكَرُوا السَّيئاتِ أنْ يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرْضَ) النحل: ٤٥ الآية، ثم قال تعالى: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ علَى تَخَوُّفٍ فَإنَّ رَبّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحيمٌ) النحل: ٤٧ وليس يصلح أيضًا أن نكشف سرّ المخاوف من الخاتمة والسابقة لأن ذلك يكون عن حقائق معاني الصفات التي ظهرت عن حقيقة الذات فأظهرت بدائع الأفعال وغرائب المآل وأعادت الأحكام على من أظهر بها وجعل لها ممن حقّت عليه الكلمات وجعل نصيبه من معاني هذه السريرة من الصفات فيؤدي ذلك منّا إلى كشف باطن الأوصاف؛ وهذا غير مأمور به ولا مأذون فيه، لأنه لا يجب فلم يؤمر به، ولأنه لم يبح فلم يؤذن فيه، وهو من سرّ القدر وقد نهي عن إفشائه في غير خبر ولو لم يطلع الأولياء عليه لما قيل: فلا تفشوه، فإن أقام الله تعالى عبدًا مقام هذه المشاهدة أغناه بالمعاينة عن الخبر، وآنسه بالمحادثة عن الأثر، وذلك هو العلم النافع الذي يكون العلاّم معلّمه، وذلك هو الأثر اللازم الذي يكون الجاعل مؤثره، (ومَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً وَيَرْزُقْه مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ومَنْ يَتَوَكَّلْ على اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق: ٣ فالكتب الذي لا يمحي ما كان من نوره والعين التي لا تخفى لأنها بحضوره والنور الذي لا يطفأ لأنه من روحه والروح الذي لا كرب فيه لأنه من ريحانه والمدد الذي لا ينقطع فمن روحه، وقد كتب وأيد وكل كتاب بيد مخلوق فغيرمحفوظ وقد يضيع وكل أيد بغير روحه فمقطوع وما كتبه الصانع بصنعه في قلب حفيظ فمثبت عتيد.

وقد روينا عن زيد بن أسلم في قوله تعالى: (في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) البروج: ٢٢، قال: قلب المؤمن وقال آخر في قوله: (والبيت المعمور) الطور: ٤ قلب العارف، وقال بعض أهل المعرفة: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) النور: ٣٦ قلوب المقرّبين رفعت إلى وصف الخالق عن ذكر المخلوقين ويذكر فيها اسمه بالتوحيد على تجريد الوحدانية عن شهادة الأحدية.

وقد كان أبو محمد سهل رحمه الله تعالى يقول: الصدر هو الكرسي والقلب هو العرش والله تبارك وتعالى واضع عليه عظمته وجلاله، وهو مشهود بلطفه وقربه، فصدرالمومن أوّله صمدية وآخره روحانية وأوسطه ربوبية، فهو صمديّ روحانيّ ربانيّ وقلبه أوله قدرة وآخره برّ، وأوسطه لطف، فإذا كان كذلك فهو مشكاة فيها مصباح يرى به الزجاج كأنها كوكب دريّ تشهد به الآلاء، فهو مرآة جسدي يرى فيرى به الوجه ويجده عنده كما يراه به من وراء مرآة مشاهدة من قلب موقن بعين يقين، يشهد الصدر الكرسي والقلب العرش والله تعالى عليه.

ولا يحلّ للعلماء أيضاً كشف علامات سوء الخاتمة فيمن رأوها فيه من العمال لأن لها علامات جليّة عند المكاشفين بها وأدلة خفيّة عند العارفين المشرف بهم عليها، ولكنها من سر المعبود في العبد خبيئة وخبأة في خزائن النفوس لم يطلع عليها إلا الأفراد وقد ستر ذلك وعطاه بسعة رحمته وحلمه وكثيف ستره وفضله وسيخرج ذلك الخباء يوم تبلى

<<  <  ج: ص:  >  >>