للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب، ولا ينبغي أن نرسم ما رمزناه من الخطاب خشية الإنكار، وكراهة تفاوت علم أهل المعقول والمعيار إلا أن يسأل عنه من أقيم فيه وأريد به من ذوي القوة والإبصار، فينقل من قلب إلى قلب، فحينئذ يتلوه شاهد منه، أويكشفه علام الغيوب في سرائر القلوب بوحي الإلهام، ويقذفه بنور الهدى للإعلام، والله الموفق لمن شاء من العباد، لما شاء من الحيطة بالعلم وهو الفتاح العليم إذا فتح القلب علمه وإذا نوره بالقين ألهمه.

ومن خوف العارفين علمهم بأن الله تعالى يخوف عباده بمن شاء من عباده الأعلين، يجعلهم نكالاً لأدنين ويخوف العموم من خلقه بالتنكيل ببعض الخصوص من عباده حكمة له وحكمًا منه.

فعند الخائفين في علمهم أن الله تعالى قد أخرج طائفة من الصالحين نكالاً خوف بهم المؤمنين؛ ونكل طائفة من الشهداء خوف بهم الصالحين، وأخرج جماعة من الصديقين خوف بهم الشهداء؛ والله تعالى أعلم بما وراء ذلك.

وقد أخرج جماعة من الملائكة وعظ بهم النبيين، وخوف بهم الملائكة المقربين، فصار من أهل كل مقام عبرة لمن دونهم وموعظة لمن فوقهم، وتخويف وتهديد لأولي الأبصار، وهذا داخل في بعض تفسير قوله عزّ وجلّ: (آَتَيْنَاه آَياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) الأعراف: ١٧٥ قال بعض أهل التفسير في أخبار بلعم بن باعوراء: إنه أوتي النبوة، والمشهور أنه أوتي الاسم الأكبر، فكان سبب هلاكه، وهو مقتضى وصف من أوصافه، وهو ترك المبالاة بما أظهر من العلوم والأعمال، فلم يسكن عند ذلك أحد من أهل المقامات في مقام، ولا نظر أحد من أهل الأحوال إلى حال، ولا أمن مكر الله تعالى عالم به في كل حال، كيف وقد سمعوه تبارك وتعالى يقول: (إنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) المعارج: ٢٨ فأجهل الناس من أمن غير مأمون، وأعلمهم من خاف في الأمن حتى يخرج من دار الخوف إلى مقام أمين.

وهذا خوف لايقوم له شيء؛ وكرب لا يوازيه مقام ولا عمل، لولا أن الله تعالى عدله بالرجاء لأخرج إلى القنوط، ولولا أنه روحه بروح الأنس بحسن الظن لأدخل في الإياس، ولكن إذا كان هو المعدل وهو المروح كيف لا يعتدل الخوف والرجاء، ولا يمتزج الكرب بالروح والرضا، حكمة بالغة، وحكم نافذ، لعلم سابق، وقدر جار، ماشاء اللّّه تعالى لا قوّة إلا بالله.

وفي شهود ما ذكرناه علم عن مشاهدة توحيد لمن أشهده، فأقل ما يفيد علم هذا الخائفين ترك النظر إلى أعمالهم ورفع السكون إلى علومهم وصدق الافتقار في كل حال ودوام الانقطاع بكل همّ والإزراد على النفس في كل وصف؛ وهذه مقامات لقوم، فيكون هذا الخوف سبب نجاتهم من هذه الوقائع إذ قد جعل الله تعالى التخويف أمنة من الأخذ بالمفاجأة وسببًا للرأفة والرحمة لمن ألبسه إياه، وهو أحد الوجهين وفي قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>