للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحوال، فعرف عمر ذلك وعذره، وما زاده ذلك عنده إلا خيرًا فكان يرمه ويعرف له فضله، وكتب إلى أهل الشام أن لا تعنفوا في أمره ودعوه وقد كان أقوى الأقوياء وهادي الهداة رسول رب العالمين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغشى عليه عند نزول الوحي إذا لبسه أزال ترتيب العقل منه ورفع مكان الكون عنه ويغط ويتربد وجهه وينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي، إلا أن هذا كان يصيبه في ضرب من الوحي إذا تغشاه ونزل عليه روح القدس في روحه واستبطن قلبه لأن الوحي على أربعة أضرب؛ ضربان متصلان هذا أحدهما، وضربان منفصلان، ومن كل واحد يلحق العلماء بالله تعالى أهل القلوب الناظرة والشهادة الحاضرة، وشرح هذا يطول وليس يعرفه علم يقين إلا من سلك طريقه ولا يشهده شهادة تحقيق إلا من ذاق حقيقته ومن آمن به تصديق تسليم فله منه نصيب، إلا أن هذا في أهل مقامات ثلاث من المقرّبين؛ مقام المعرفة؛ والمحبة والخوف، وكل ضروب الوحي بعد هذه الأربعة وهي عشرة لأهل هذه المقامات الثلاث منه نصيب خواطر أو وجد أوشهادة أوحال أو مقام؛ وهو وصف التمام إلا نوعين من أنواع الوحي فإنهما ممتنع ومخصوص بهما المرسلون؛ أحدهما ظهور الملك في صورته وسمع كلام الله بصفته ونظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جبريل عليه السلام في صورته بالأبطح فصعق.

وروى حمزة عن حمران بن أعين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ آية في سورة الحاقة فصعق وقال الله تعالى: (وخَرَّ موسى صَعِقًا) الأعراف: ١٤٣ وقد يفيض الخوف من القلب إلى النفس فيحرق الشهوات ويمحو العادات ويخمد الطبع ويُطفئ شعل الهوى وهذا أحد المخاوف وأعلاها عند أهل المعارف، وهؤلاء أفضل الخائفين وأرفعهم مقامًا؛ وهو خوف الأنبياء الصدّيقين وخصوص الشهداء، وليس فوق هذا وصف يغبط عليه الخائف ولا يفرح به عارف، فإن جاوز الخوف هذه الأوصاف فقد خرج من حدّه وجاوز قدره لأنه إذا أحرق الشهوات ومحا الأهواء فلم يترك شهوة ولا هوى ثم إن لم يعصم العبد من مجاوزة حدّ الخوف خرج به الخوف إلى أحد ثلاثة معانٍ خيرها أن يسري إلى النفس فيحرقها فيتلف العبد فتكون له شهادة، وليس هذا محمودًا عند علماء الخائفين من أرباب العلوم والمشاهدات، إلا أنه قد قال بعض العلماء ما شهداء بدر بأعظم أجرًا ممن مات وجدًا؛ وهذه أوصاف ضعاف المريدين إذ للعلماء الموقنين بكلّ شهادة من اليقين أجر شهيد وأوسطها أن يعلو إلى الدماغ فيدنيه فتنحلّ عقدة العقل لذويه فتضطرب الطبائع لانحلال عقدة العقل ثم تختلط المزاجات لاضطرابها فتحترق الصفراء فتحول سوداء فيكون من ذلك الوسواس والهذيان والتوه والوله، وذلك أن الدماغ جامد وهو مكان للعقل هو مركب عليه معقود به فإذا اختلطت المزاجات اشتعلت فتلهب شعلها إلى الدماغ فأحرقه وأذابه، فحل محل العقل الذي مكانه مخ الدماغ وسلطانه صقال القلب

<<  <  ج: ص:  >  >>