للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظاهر كصقال الرقعة، وهو بمنزلة الشمس الطالعة، محلها الفلك العلوي، وشعاعها على الأرض، كذلك العقل محله المخ، وسلطانه في القلب، وفي هذا المقام الطيش والهيمان، وهذا مكروه عند العلماء؛ وقد أصاب ذلك بعض المحبين في مقام المحبة فانطبق عليهم فولهوا بوجوده، ومنهم من فزع ذلك عن قلوبهم فسرى عنهم فنطقوا بعلمه.

وقد كان أبو محمد رحمه الل تعالى يقول لأهل التقلل الطاوين المتقشفين: احفظوا عقولكم، فإنه لم يكن ولى الله ناقص العقل.

والمعنى الثالث وهو شرها في مجاوزة الخوف، هو أن يعظم ويقوى، فيذهب الرجاء إذا لم يواجه بعلم الأخلاق من الجود والكرم والإحسان التي تعدل المقام، فتروح كروب الحال فيخرجه ذلك إلى القنوط من رحمة الله، والإياس من روح الله تعالى، دخلت عليهم هذه المشاهدة من قبل العدل والإنصاف بمعيار العقل فجاوزت بهم علم وصفه بالكرم، وخفى الألطاف، فتعدت بهم الحدود من قبل قوة نظرهم إلى الاكتساب؛ وتمكن تحكم شهادة الأسباب، ورجوعهم إلى أنفسهم في الحول والاستطاعة، وإثباتهم لتحقيق الوعيد عليهم خاصة لا محالة، والحكم علي الحاكم الراحم بعقولهم وعلومهم، من غير تفويض منهم إلى مشيئته، ولا استلام لقدرته، ولا تأميل لأحد معاني صفاته الحسنى التي تعم جميع صفاتهم السوأى، فظهرت سيئاتهم الثواني أمامهم، فحجبتهم عن المحسن الأول، ولم يعلموا أنهم بإحسانه إليهم أساءوا، وبسبق علمه فيهم تعدوا، وإن قلمه لم يكن بأيديهم إذ جرى بما عليهم، وإن قهر قدرته وسلطان جبره أظهر منهم من خزائنه ما فيهم، يدلك على صحة ما ذكرناه أن أكثر هذه المخاوف كانت في البصريين، وأهل عبادان والعسكريين، فكان مذهبهم القدر، والقول باللطف، وتفويض المشيئة وتقديم الاستطاعة.

منهم العمرية أصحاب عمرو، والعبادية شيعة عباد، والفوطية والعطوية أصحاب هشام الفوطى، وابن عطاء الغزالي.

ومنهم التيمية نفوا نصف القدر، ومنهم المنازلية أصحاب المنزلة بين المنزلتين، والقول بمقدور من قادرين، وفعل من فاعلين، فابتلوا بالاعتماد على الأسباب، وبالنظر إلى أولية الاكتساب فحجبهم ذلك عن المقدر الوهاب، فهرب هؤلاء من الأمن والاغترار، فوقعوا في أعظم منهما من القنوط والإياس، فصاروا في كبائر المعاصي من خوفهم منها.

فمثلهم مثل الخوارج، خرجوا على الأئمة بالسيف لإنكار المنكر، فوقعوا في أنكر المنكر من تكفير الأئمة، وإنكارهم السلطان، وتكفيرهم الأمة بالصغائر، وهذا من أبدع البدع، وهؤلاء كلاب أهل النار.

ومثلهم أيضاً مثل المعتزلة، هربوا من طريق المرجئة أن الموحدين لا يدخلون النار،

<<  <  ج: ص:  >  >>