للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون، وبمعنى هذا تمّم إيمان الوفد الذي سألهم ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون، قال: وما علامة إيمانكم؟ فذكروا الصبر على البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بمواقع القضاء وترك الشماتة بالمصيبة إذا نزلت بالأعداء فقال عليه الصلاة والسلام: إن كنتم كذلك فلا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا ما لا تسكنون ولا تنافسوا فيما عنه ترحلون؛ فهذا هو الزهدجعله تكملة إيمانهم وعلوّ مقامهم وتمامًا على إحسانهم وأعظم من هذه كلّها الخبر الرابع الذي جعل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزهد من شرط إخلاص التوحيد في حديث رويناه عن ابن المنكدر عن جابر قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من جاء بلا إله إلا الله لا يخلط معها غيرها وجبت له الجنة، فقام إليه عليّ كرّم الله وجهه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لا يخلط بها غيرها صفه لنا فسّر هـ لنا فقال: حبّ الدنيا وطلبًا لها واتباعاً لها وقوم يقولون قول الأنبياء، ويعملون أعمال الجبابرة، فمن جاء بلا إله إلا الله ليس شيء فيها من هذا وجبت له الجنة، فلذلك كان علي رضي الله عنه يجعل الزهد مقاماً في الصبر، ويجعل الصبر عمدة الإيمان في حديثين رويناهما عنه؛ أوّلهما قوله في الحديث الطويل الذي رواه عكرمة وعتبة بن حميد والحرث الأعور وقبيصة بن جابر الأسدي في مباني الإيمان أنه قال: الإيمان على أربع دعائم، على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد، ثم قال فيه: والصبر منها على أربع شعب؛ على الشوق، والشفق، والزهادة، والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرّمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ترقّب الموت سارع في الخيرات.

والخبر الآخر في الصبر الذي جعله عمود الإيمان ينهدم الإيمان بهدمه هو قوله: والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، لا جسد لمن لا رأس له، ولا إيمان لمن لا صبر له، وروينا في خبر مقطوع: السخاء من اليقين ولا يدخل النار موقن، والبخل من الشك ولا يدخل الجنة من شك، فكان هذا الحديث مفسّرًا للخبر المجمل السخيّ، قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، قريب من النار، فسرّ في ذلك الخبر بأيّ معنى يكون السخيّ قريباً من الله تعالى، قريباً من الجنة لأن السخاء من اليقين وبأيّ معنى يكون البخيل بعيدًا من الله تعالى، قريبًا من النار لأن البخل من الشك، فالسخاء وصف الزاهد ولا يكون الزاهد إلا سخيّاً، والبخل وصف الراغب، ولا يكون الحريص إلا بخيلاً ولايكون البخيل زاهدًا لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>