الدنيا والآخرة، أو يكون من أهل الرضا بالدنيا وأهل الغفلة عن آيات الله تعالى فيكون قد رضي بلاشيء وآثره على من ليس كمثله شيء كوصف من أخبر الله تعالى عنه قي قوله تعالى:(ورَضُوا بالحَياة الدُّنْيَا وَاطمَأَنُّوا بِها وَالْذينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنا غَافِلُونَ) يونس: ٧ فيستحق الإعراض من الحبيب ويستوجب المقت من القريب كمثل من أمر الله تعالى بالإعراض عنهم وترك القبول منهم إذ يقول عزّ من قائل: (فَأعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلا الْحَيَاة الدُنْيا)(ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) النجم: ٢٩ - ٣٠ وقال عزّ وجلّ:(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلَبهُ عِنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبِع هَواهُ وَكانَ أْمرُهُ فرُطًا) الكهف: ٢٨ أي مجاوزاً لما نهي عنه مقصرا عمّا أمر به وقيل: مقدماً إلى الهلاك، وقد نهى الله تعالى رسوله أن يوسع نظره إلى أهل الدنيا مقتاً لهم وأخبر أن ما أظهره من زهرة الدنيا فتنة لهم وأعلمه أن القناعة والزهد خير وأبقى، تنتظم هذه المعاني في قوله تعالى:(وَلاتُمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتَنهُمْ فيهِ وَرِزْقُ رَبََّكَ خَيْرٌ وأبْقى) طه: ١٣١، قيل: القناعة وقيل: فوت يوم بيوم ويقال: الزهد في الدنيا وهذا الوجه أشبه بكتاب الله تعالى بدليل قوله تعالى: (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأبْقى) الأعلى: ١٧ وكذلك قوله تعالى: (وَرِزْقُ رَبِّكَ خىْرٌ وَأبْقى) طه: ١٣١ يعني الزهد في الدنيا، وقال أيضًا في مثله:(بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لكُمُ) هود: ٨٦ يعني القناعة وقيل: الحلال، وفي خبر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر في أصحابه بعشار من النوق حفل وهي الحوامل وكانت من أحبّ أموالهم إليهم وأنفسه عندهم لأنها تجمع الظهر واللحم واللبن والولد والوبر؛ وهي الرواحل من الإبل التي ضرب النبي عليه السلام بها مثل خيار الناس فقال عليه السلام الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة أي الإبل كثيرة والراحلة التي تجمع هذه الأوصاف الخمسة من الإبل قليل وهي العشار التي ذكر الله تعالى في قوله:(وَإذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) التكوير: ٤ أي تركها أهلها وهربوا لهول قيام الساعة شغلاً بنفوسهم عنها قال: فأعرض عنها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغض بصره فقيل له: يا رسول الله هذه أنفس أموالنا لما تنظر إليها؟ فقال: قد نهاني الله تعالى عن ذلك، ثم تلا هذه الاية:(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك) الحجر: ٨٨، وفي حديث عمر رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية: (والَّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ) االتوبة: ٤٣، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تباً للدينار والدرهم قال: فقلنا نهانا الله تعالى عن كنز الذهب والفضة فأي شيء ندخر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليتخذ أحدكم لسانًا ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة صالحة تعينه على أمر الآخرة وفي حديث حذيفة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من آثر الدنيا على الآخرة ابتلاه الله تعالى بثلاث همّاً لا يفارق قلبه أبداً وفقراً لا يستغنى أبداً وحرصاً لا يشبع أبداً.
وروينا حديثًا مرسلاً عن علي بن معبد عن علي بن أبي طلحة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يستكمل العبد الإيمان حتى يكون أن لا يعرف أحبّ إليه من أن يعرف، وحتى